Thursday  14/07/2011/2011 Issue 14168

الخميس 13 شعبان 1432  العدد  14168

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

الحكم أسبق أم المحاكمة!!

هذه قضية متجذرة في تاريخنا الإسلامي، كانت أول ما كانت عندما استشهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه- في بيته وهو يقرأ القرآن أيام الأشهر الحرم، إذ إن الصحابة في المدينة ومعهم بعض المندسين والمفسدين ذهبوا إلى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ليبايعوه خليفة على المسلمين، وعندما اجتمع إليه الناس وأرادوا أن يعقدوا له البيعة في بيته قال رضي الله عنه: (إن بيعتي لا تكون خفية، لا تكون إلا في المسجد)، ولما أصبحوا من الغد حضر الناس إلى المسجد، ثم جاء «علي» فصعد المنبر وقال: (أيها الناس عن ملأ وأذن، إن هذا أمركم ليس لأحد من حق إلا من أمرّتم، وقد افترقنا بالأمس على أمر وكنت كارهاً لأمركم فأبيتم إلا أن أكون عليكم..)، الشاهد أن معاوية -رضي الله عنه- كان والياً على الشام، لما سمع بمقتل عثمان -رضي الله عنه- أعلن القتال وملاحقة قتلة أمير المؤمنين، ورفض المبايعة مطالباً أولاً بالمحاكمة قبل تولية أحد الحكم.

هذه الإشكالية السياسية كانت من أقوى المسببات لاختلاف الأمة وتنازعها، ومن رحمها كان ميلاد الفرق والمذاهب العقدية المعروفة التي ما زالت جاثمة على صدور المسلمين وستظل إلى قيام الساعة.

إن ما يحدث اليوم في عدد من بلادنا العربية خاصة مصر من التوجه للمحاكمات وإصدار الأحكام سواء أكانت براءة أو إدانة، توافق رغبة الشارع الثائر وتلبي طموحات وتطلعات من ينعتون بشباب الثورة أو العكس، إن هذا الفعل السياسي -في ظل غياب الحاكم الذي كلفت الأمة باختياره- يشبه في هذه المسألة بالذات ما ورد أعلاه في زمن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، والتشبيه هنا للتقريب وليس للمماثلة والتطابق فشتان بين رجال العصرين وتفاصيل الحالتين وملابسات الحدثين.. والخوف أن يتولد من جراء ما يجري على الساحة المصرية تفرق في الصف الثوري، وملل جماهيري من طول الانتظار، وكذا احتقان شعبي جراء إصدار أحكام لا ترقى لما كان يُظن أنه هو الحق، وهروب لرأس المال الاستثماري، وتسلل وتسلق وصعود وتزلف سواء داخلياً أو من قوى خارجية تريد أن تكون هي من يتسيد بوجه أو بآخر، ولك أن تتصور ما ستحدثه الفتن من نتائج ذات عمق وامتداد وتراكم حتى تصير الأحداث مع مرور الأشهر وربما الأعوام ككرة الثلج تزداد كل يوم وتكبر مع كل حدث وتعظم في نهاية كل أسبوع!!.

إن منطق العقل السياسي الواعي وكذا الحقائق الشاخصة أمام كل متأمل وقارئ للتاريخ السياسي العربي والعالمي القديم منه والحديث، إضافة إلى معطيات الواقع المعاش وتفاصيل الأحداث المتراكمة و... كل هذه المرجعيات فضلاً عن النص الشرعي تدل على وجوب تنصيب الحاكم أولاً، وهو دون غيره من سيقيم المحاكم ويأمر بعقد الجلسات وهو من سيتتبع فلول الإفساد وعناوين الفساد في المجتمع، وقبل هذا وذاك هو من يضبط إيقاع الكلمة ويحكم كلمة القوة وينسق جهود الوطنين المخلصين خاصة حين الفتن وعند وقوع المحن واختلاط الأوراق، ولذا ومن منطلق سياسي صرف وبرؤية فاحصة ترى مجمل الأحداث وتتابع مثل غيرها ردود الأفعال وتحزن لتأزم المواقف والتكور بعد التحول والكر والفر بين هذا وذاك، من هذا المنطلق وعلى هذا الأساس أعتقد أن الجهود لابد أن توحد الآن لإجراء انتخابات عاجلة من أجل اختيار الحاكم، وليكن التفكير الشعبي وكذا الرسمي متوجهين للمستقبل بدل تقليب صفحات الماضي في هذا الوقت بالذات، فمصر في مرحلة بناء جديدة والأولوية للغد، وقراءة ما كان على مستوى الأشخاص والمؤسسات والهيئات والسياسات عملية مهمة هي كذلك ولكن ليس لها الأولوية –في نظري-.

أكتب هذا النص وأنا أتابع وبحسرة ما يحدث في بلادنا العربية وأسمع ما يقوله الشارع الذي تدغدغه الأماني وتسليه الآمال، وتوقفني تلك الأحلام الوردية التي نسجناها وربما دونها ورقياً أو في صفحات الإنترنت أو... لا أدري ولكنني كنت وما زلت لست متفائلاً كثيراً لأنني باختصار على قناعة تامة أن للكون سنن وللتاريخ سنن وللأمم وللدول وللمجتمعات، كما للأفراد قوانين وسنن ربانية لا يمكن أن تتبدل أو تحيد وما زلنا أبعد ما نكون عن ضبط إيقاع حركة التغيير التي نريد على ضوء سنن الله في قيام الحضارات وأفولها وقوة الديار وضعفها، وأول شروط التبدل من حال إلى حال وجود مشروع حضاري عربي متكامل ومدروس وكذا إعلان ميلاد جيل جديد تخلص من داء الوهن، وعشق العزة، وسعى للمجد، وبدأ حركة البناء على أسس نهضوي وتنموي صحيح ومتين، وأتمنى من قلبي أن يكون ذلك قريب سواء في قاهرة المعز أو غيرها من عواصم عالمنا العربي التي تتأجج فيها لهيب المعركة واضطرم بين جنباتها فتيل الحرب وليس ذلك على الله بعزيز وإلى لقاء والسلام.

 

الحبر الأخضر
رسالة من دوار القربة إلى ميدان التحرير
عثمان بن صالح العامر

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة