لم يكن جديداً إعلان كبار المسؤولين الأمريكيين «ندمهم»، وإن لم يكن ذلك واضحاً تماماً، إلا أن كبار وزراء الإدارة الأمريكية يظهرون ندمهم على منح حلفاء إيران من الأحزاب الشيعية الغطاء وحتى الحماية العسكرية والنفوذ السياسي لتمكينهم من حُكْم العراق.
دعم قوات الاحتلال الأمريكي والحكومة الأمريكية بتوجيه وإشراف وزير الدفاع الأمريكي الأسبق رامسفيلد أسقط العراق بيد حلفاء إيران، وجعل المليشيات الشيعية التي شكّلتها إيران وأنشأتها لمواجهة نظام الرئيس السابق صدام حسين تحكم العراق، بإشراف مباشر من الحرس الثوري الذي اعتبر تلك المليشيات أحد تنظيمات فيلق القدس، وعيّن الجنرال قاسم سليمان منسقاً وآمراً لهذه المليشيات حتى أصبح سليماني الحاكم الفعلي للعراق، وكانت القوائم التي يصدرها مكتبه لتصفية علماء العراق والطيارين العراقيين وأساتذة الجامعات والوطنيين الذين رفضوا الاحتلال والسيطرة الإيرانية قوائم تُنفَّذ بدقة من خلال فِرَق الموت التي كانت تحت إشراف وزير الداخلية الأول في عهد الاحتلال باقر صولاغ.
القوات الأمريكية احتلت العراق، وغيّرت النظام العراقي السابق، وسلّمت العراق إلى الأحزاب الشيعية الحليفة والمؤسَّسة في إيران، وأصبحت المليشيات الحاكم المطلق لإيران في العراق؛ ولهذا فقد دأبت الصحافة العربية وحتى الأمريكية على القول بأن أمريكا حاربت وإيران هي التي انتصرت في العراق الذي أصبح مسرحاً لنفوذها السياسي والإرهابي.
الآن يشكو وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا من هجمات المليشيات الشيعية في العراق المرتبطة بإيران، وأنها تستهدف القوات الأمريكية؛ حيث قتلت العديد منهم، وسجّل شهر حزيران «يونيو» أكبر معدل لسقوط القتلى في صفوف الجيش الأمريكي منذ ثلاث سنوات.
بانيتا - وهو القادم لوزارة الدفاع من المخابرات المركزية الأمريكية - شخّص الأسلحة والمعدات التي تستعملها المليشيات (الذراع الإرهابية لإيران)، وأكد أن هذا التحريض والدعم الإيراني متزامن مع الوضع والحالة الحرجة التي تمر بها إيران والأنظمة المتحالفة معها، إلا أن قوات بلاده في العراق لن تقف مكتوفة الأيدي وهي تتعرض للاعتداءات والهجمات وسقوط العديد من القتلى؛ إذ ستنفذ بصورة منفردة عمليات عسكرية ضد المليشيات الشيعية دفاعاً عن النفس.
الآن أمريكا صحت، والآن يكتشف وزير الدفاع القادم من المخابرات المركزية أن المليشيات الشيعية في العراق تنفذ أجندة إيرانية، وأنها تتلقى الدعم والأسلحة والتعليمات من إيران..!!
لم تسمع واشنطن تحذيرات من الدول المجاورة للعراق.. ألم يوجِّه أبناء العراق من الوطنيين نداءات للأمريكيين الذين صنعوا هذا الوضع، ونبهوهم لما يفعله الإيرانيون عبر مليشياتهم والأحزاب المتحالفة مع إيران، وهم الممسكون بدفة الحكم الآن في العراق؟
الأمريكان سيستيقظون متأخرين، ويكتشفون أن الذين جعلوا منهم سادة العراق الجدد يطعنونهم من الخلف..!!
يقظة متأخرة، لكن عسى أن تُنقذ هذه اليقظة العراق من غدر المليشيات.