(السعوديون لا يفكرون إطلاقاً بالبناء على المدى الطويل، وثقافتهم وقتية جداً). لقد نكأت الجرح يا مستر سيمون كوبر (Simon Kuper)، كبير الكُتًّاب الرياضيين في هولندا، وصاحب العامودي اليومي في صحيفة الفاننشل تايمز الهولندية (Financial Times) الذي أدلى بدلوه المذاع عبر أثير إذعة هولندا
على خلفية تعاقد الاتحاد السعودي لكرة القدم مع مواطنه مدرب كرة القدم السيد فرانكلين أدمون ريكارد ( Franklin Rijkaard) ليتولى تدريب المنتخب السعودي في الفترة القادمة من الاستحقاقات التي تنتظر المنتخب السعودي الأول لكرة القدم. فرحم الله - كما في القول المأثور عن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه -من أهدى إليّ عيوبي فهذه أحدى معايبنا المتأصلة التي لم نستطع الفكاك منها بعدُ، وكأن الارتجالية والعشوائية بذلك قدرنا المحتوم؛ فقراراتنا، ومشاريعنا، ومبادراتنا مجرد ردات فعل لحدث طارئ هنا وهناك ومبنية على غير هدى وتخطيط مسبق.
نحن السعوديين يا مستر سيمون نعاني في هذا الشأن من أمور ثلاثة تقودنا دوماً إلى الإخفاق الذريع في تحقيق مبتغانا في مشاريعنا صغيرها وكبيرها والمتمثلة في عدم إعطائنا الخبز لخبازه، وكذلك لأننا نستعجل قطف الثمرة قبل الأوان، هذا فضلاً عن انعدام التنسيق وتوحيد الجهود بين الجهات المعنية. فما إن تواجهنا قضية ما تحتاج إلى دراسة ومعالجة إلاَّ ونستعين بقدرات علمية مؤهلة في تخصصاتها وحقولها العلمية الأكاديمية، ولكنها قاصرة عن وضع تصور إستراتيجي لا لنقص في كفاءتها العلمية، وإنما لأنها لم تُدرب تدريباً كافياً على بناء خطط استراتيجية والمنطوي على معرفة بالمفاهيم الأساسية في مجال التخطيط الإستراتيجي، والأسس العلمية له، وأدواته، ومعرفة بالمهارات والضوابط الأساسية للتخطيط الإستراتيجي، وقدرة على تجميع وتصنيف وتحليل المعلومات، ومعايير إعداد الخطط الإستراتيجية بأنواعها الشاملة، أو الجزئية ومداها إما الطويل، أو المتوسط، أو القصير، وغيرها من القضايا الرئيسية التي تدخل في صميم التخطيط الإستراتيجي. وذلك أيضاً يعود إلى أن الخطط والإستراتيجيات لا يتوقف بناؤها فقط على وجود الذهنية العقلية المثقفة المؤهلة تأهيلاً عالياً، وإنما هي بحاجة إلى وجود فريق عمل متكامل يمتلك كل خيوط القضية التي سيتم وضع خطة لها وذا دراية كافية بالتخطيط الإستراتيجي، ومفاهيمه ومقوماته الأساسية، وإعداد وتصميم ووضع الخطط الإستراتيجية.
والأمر لم يتوقف على هذا الأمر، بل إن ما يجعل قراراتنا أقرب ما تكون إلى الارتجالية والعشوائية وفي أحيان ردات فعل لحدث هنا وواقعة هناك أننا نقوم باستدعاء أشخاص بعينهم لاجتماعات عاجلة، ونكوّن لجاناً، ونطلب منها في نهاية اجتماع أو اجتماعين وضع خطة إستراتيجية للتعامل مع حدث، أو مشكلة تهم الوطن برمته. ونحن في فعلنا هذا نتناسى أن التخطيط الإستراتيجي يجب أن تتوفر فيه عناصر عدة حتى نضمن للخطة الإستراتيجية النجاح؛ إذ لا بد من تحديد الأهداف، ومن ثم رسم الخطط والسياسات، وبعد ذلك يأتي دور إجراءات التنفيذ، ومن سيقوم به، وتحديداً نحن بحاجة إلى أن نسأل أنفسنا عدة تساؤلات منها: ما الذي نريد إنجازه؟ وما الذي يمكننا عمله لتحقيق الأهداف؟ وكيف ننجز الأهداف الإستراتيجية المرسومة؟ وما هي الموارد التي نحتاجها؟ وهل خطة عملنا واقعية؟ ومن سيقوم بالتطبيق؟ ومتى سيتم الشروع في تنفيذ الخطة المقترحة؟ وما هي الآليات التي يمكن أن نستخدمها للتحقق من إنجاز خطة العمل المقترحة؟ وغيرها من التساؤلات المهمة، أو كما قال جون بيلي (John Bailey) المخطط الإستراتيجي نحن بحاجة إلى الإجابة عن الاسئلة الخمسة التالية: أين نحن الآن؟، كيف نصل إلى ما نريد ؟ ،إلى أين نحن ذاهبون؟، إلى أين ينبغي أن نذهب؟، كيف نصل إلى ما نريد؟
ومصابنا يا مستر سيمون جلل أيضاً لأننا نستعجل في حصد النتائج وجني ثمار الخطط والمشاريع، أو لنقل إننا مصابون بداء الاستعجال المخل للنتائج نترجمه برغبة جامحة بحرق المراحل، والبحث عن الحلول الجاهزة والمُعلبة التي لا تلتقي مع جذور المشكلة بل مع فروعها، وذلك لعدم وجود أرض راسخة نبني عليها استنتاجاتنا. ومثلبتنا الأخرى التي نتصف بها تتمثل في عدم أخذنا في الحسبان أمر مفصلية وأهمية التنسيق في الخطط التي نزمع القيام بها، بل يمكنك القول إنه نتيجة لإهمال هذا الجانب تجد أن الجهات المعنية، أو المشاركة في تنفيذ المخطط الإستراتجي لا تعرف أين الوجهة النهائية له، والأهم أنها لا تعرف أين نقطة التقائها مع غيرها من الجهات الأخرى.
ويمكننا أن نتلافى هذه الارتجالية المصاحبة لعملنا المؤسسي من خلال إنشاء جهاز إداري متخصص في كل وزارة يقوم على وضع الخطط الإستراتيجية ومتابعة تنفيذها، وأن يتم تغذيتها بإستراتيجيين تعقد لهم دورات وورش عمل من فترة إلى أخرى من أجل تعريفهم بالمفاهيم الأساسية للتخطيط الإستراتيجي، وتنمية قدراتهم في مجال إعداد وتصميم ووضع الخطط الإستراتيجية، وأساسيات وضع الخطط الإستراتيجية، وكيفية قياس نجاح الإستراتيجية، ووضع خطط قابلة للتطبيق، وخطط لمتابعة التطبيق، وأن تعمل هذه الأجهزة وفق رؤية تكاملية مشتركة مع المؤسسات والوزارت الأخرى. ويمكن تحقيق ذلك من خلال إيجاد مرجعية حكومية تنسق بين مختلف الجهات ذات الصلة سواءَ العامة، أوالخاصة من حيث إعداد الدراسات، أو الإشراف على المشاريع التي تنفذ من القطاع الخاص والعام والعمل على تذليل العقبات التي تعترض تنفيذ المشروعات التنموية، ووضع الأسس التي تعتمد على المستوى الفني للعمل، و إيجاد آلية للمتابعة الإنجاز ووضع الجداول الزمنية، وتحديد المسؤوليات، ومحاسبة المقصرين.
أُدرك أنّ الكثير منّا قد ملّ من القرارات الارتجالية، والمشاريع التنموية الوقتية، وابتسار التصورات، وانعدام التكامل والتنسيق، وسرعة تلمس النتائج، ومن هنا فجميعنا يدعو بأعلى صوت من أجل القيام بمزيد من البحث، والدراسة، والتمحيص حتى نصل إلى قرارات صائبة تجنبنا الارتباك، والعشوائية، والنتائج العكسية. ذلك كله لن يتأتى إلاَّ عن طريق وضع إستراتيجات تقوم على التحليل العميق لأبعاد القضية المطروحة للنقاش، ووضع خطة إستراتيجية متكاملة للتعامل مع مقتضياتها وتداعياتها تمتاز بالواقعية، والشمول، والمرونة، والاستمرارية، والإلزام، والتنسيق، وسهولة التنفيذ والمتابعة، مع الاستعانة بأناس على دراية كاملة بالتخطيط الإستراتيجي.
هل الارتجالية قدر محتوم داخل مؤسساتنا العامة؟
هل مشاريعنا ومبادراتنا مجرد ردات فعل لحدث طارئ هنا وهناك؟
هل التنسيق وتوحيد الجهود يأتيان في آخر قائمة اهتماماتنا؟
هل نستعين بالكفاءات المتخصصة بالتخطيط القادر على تقديم حلول واقعية ومناسبة لقضايانا؟
هذه التساؤلات يتردد صداها صعوداً وهبوطاً في خاطري كلما دُعيت لأشارك في اجتماع يهم الشأن العام. فما أن أدلف إلى غرف الاجتماعات تلك إلا وقد وجدت الكفاءات العلمية المدعوة أو المرشحة من قبل المسؤول قد تحلّقت حول دوائر مستديرة متأهبة للشروع في مناقشة قضايا تهم شرائح واسعة من المجتمع، وما أن تبدأ تلك الاجتماعات إلا وقد أخذ كل يدلي بدلوه، ويطرح وجهة نظره في القضية المطروحة، والسامع لتلك الطروحات بعين الناقد يجد أنها آراء أقرب ما تكون إلى وجهات نظر ينقصها الإلمام الكافي في الموضوع المطروح للنقاش، والتحليل العميق، وتقديم الحلول الناجعة له.
وبعد حين قصير ينفض الجمع وقد نثروا في عجالة من أمرهم ما في جعبتهم، والسرعة تلك مردها إلى أنهم لا يحبذون التبحر، وإطالة النقاش في الموضوع، لأن لديهم قائمة طويلة باجتماعات تنتظرهم، ولأنهم أيضاً قد - في غالب أمرهم - أتوا إلى تلك الاجتماعات بعد أن تم استنفاذ طاقتهم من قبل أعمالهم الأصلية.
وهذا السيناريو ربما يبدو مقبولاً، ونتائجه ليست بذات القدر الكبير من الأهمية لو كان بهدف مناقشة قضايا عابرة، ولكن خطورته تكمن عندما يترتب عليه الخروج بتوصيات تمس قضايا مفصلية، ووضع تصور لرؤى وخطط إستراتيجية وطنية.
الإشكالية الأخطر تكمن في الاستعانة بقدرات علمية مؤهلة في تخصصاتها وحقولها العلمية الأكاديمية، ولكنها قاصرة عن وضع تصور إستراتيجي لا لنقص في كفاءتها العلمية، وإنما لأنها لم تُدرب تدريباً كافياً على بناء خطط إستراتيجية والمنطوي على معرفة بالمفاهيم الأساسية في مجال التخطيط الإستراتيجي، والأسس العلمية له، وأدواته، ومعرفة بالمهارات والضوابط الأساسية للتخطيط الاستراتيجي، وقدرة على تجميع وتصنيف وتحليل المعلومات، ومعايير إعداد الخطط الإستراتيجية بأنواعها الشاملة أو الجزئية ومداها إما الطويل، أو المتوسط، أو القصير، وغيرها من القضايا الرئيسية التي تدخل في صميم التخطيط الإستراتيجي. وذلك أيضاً يعود إلى أن الخطط والإستراتيجيات لا يتوقف بناؤها فقط على وجود الذهنية العقلية المثقفة المؤهلة تأهيلاً عالياً، وإنما هي بحاجة إلى وجود فريق عمل متكامل يمتلك كل خيوط القضية التي سيتم وضع خطة لها.
نحن نستعين دوماً - وبخاصة في مجال العمل الحكومي - بأساتذة الجامعات لوضع سياسات معينة من غير أن نعير قدراً لمسألة أن هؤلاء ذوي تأهيل علمي في حقولهم العلمية، ولكنهم ليسوا على دراية كافية بالتخطيط الإستراتيجي، ومفاهيمه ومقوماته الأساسية، وإعداد وتصميم ووضع الخطط الإستراتيجية.
فما يجعل قراراتنا أقرب ما تكون إلى الارتجالية والعشوائية وفي أحيان ردات فعل لحدث هنا وواقعة هناك أننا نقوم باستدعائهم لاجتماعات عاجلة، ونكوّن لجاناً، ونطلب منها في نهاية اجتماع أو اجتماعين وضع خطة إستراتيجية للتعامل مع حدث أو مشكلة تهم الوطن برمته. ونحن في فعلنا هذا نتناسى أن التخطيط الإستراتيجي يجب أن تتوفر فيه عناصر عدة حتى نضمن للخطة الإستراتيجية النجاح! إذ لابد من تحديد الأهداف، ومن ثم رسم الخطط والسياسات، وبعد ذلك يأتي دور إجراءات التنفيذ، ومن سيقوم به، وتحديداً نحن بحاجة إلى أن نسأل أنفسنا عدة تساؤلات منها: ما الذي نريد إنجازه؟ وما الذي يمكننا عمله لتحقيق الأهداف؟ وكيف ننجز الأهداف الإستراتيجية المرسومة؟ وما هي الموارد التي نحتاجها؟ وهل خطة عملنا واقعية؟ ومن سيقوم بالتطبيق؟ ومتى سيتم الشروع في تنفيذ الخطة المقترحة؟ وما هي الآليات التي يمكن أن نستخدمها للتحقق من إنجاز خطة العمل المقترحة؟ وغيرها من التساؤلات المهمة.
ويمكننا أن نتلافى هذه الارتجالية المصاحبة لعملنا المؤسسي من خلال إنشاء جهاز إداري متخصص في كل وزارة يقوم على وضع الخطط الإستراتيجية ومتابعة تنفيذها، وأن يتم تغذيتها بإستراتيجيين تعقد لهم دورات وورش عمل من فترة إلى أخرى من أجل تعريفهم بالمفاهيم الأساسية للتخطيط الإستراتيجي، وتنمية قدراتهم في مجال إعداد وتصميم ووضع الخطط الإستراتيجية، وأساسيات وضع الخطط الإستراتيجية، وكيفية قياس نجاح الإستراتيجية، ووضع خطط قابلة للتطبيق، وخطط لمتابعة التطبيق.
أُدرك أن الكثير منا قد مل من القرارات الارتجالية، وندعو بأعلى أصواتنا إلى القيام بمزيد من البحث، والدراسة, والتمحيص حتى نصل إلى قرارات صائبة تجنبنا الارتباك، والعشوائية، والنتائج العكسية. ذلك كله لن يتأتى إلا عن طريق وضع إستراتيجات تقوم على التحليل العميق لأبعاد القضية المطروحة للنقاش، ووضع خطة إستراتيجية متكاملة للتعامل مع مقتضياتها وتداعياتها تمتاز بالواقعية، والشمول، والمرونة، والاستمرارية، والإلزام، والتنسيق، وسهولة التنفيذ والمتابعة، مع الاستعانة بأناس على دراية كاملة بالتخطيط الإستراتيجي.
alseghayer@yahoo.com