من الأخلاق الفاضلة النبيلة الاعتراف بالفضل لأهله، والاعتراف بالفضل ضد الجحود والنكران، وهو أنْ تُقرَّ بفضل من يصدر عنه الفضل، ولا شك أنَّ الله عز وجل هو صاحب الفضل في الأولى والآخرة، إذ هو المتفضل على أهل الدنيا مسلمهم وكافرهم بنعمه التي لا تحصى، وفي الآخرة يُدخل عباده الصالحين الجنة ويورثهم إيَّاها بفضله وكرمه وعفوه ورحمته سبحانه، والله جل وعلا أمرنا ألا ننسى الفضل بيننا فقال عزَّ من قائلٍ حكيماً: (ولا تنسوا الفضل بينكم) البقرة 237 قال الإمام الطبري عند تفسير هذه الآية: ( يقول تعالى ذكره: ولا تغفلوا أيها الناس، الأخذ بالفضل بعضكم على بعض فتتركوه، ولكن ليتفضل الرجل المطلِّق زوجته قبل مسيسها فيكمل تمام صداقها إنْ كان لم يعطها جميعه، وإنْ كان ساق جميع ما كان فرض لها، فليتفضل عليها بالعفو عمَّا يجب له، ويجوز له الرجوع به عليها،وذلك نصفه، فإن شحَّ الرجل بذلك وأبى إلا الرجوع بنصفه عليها، فتتفضل المرأة المطلقة عليه بردِّ جميعه عليه إنْ كانت قد قبضته منه، وإنْ لم تكن قبضته فلتعف عن جميعه، فإنْ هما لم يفعلا ذلك وشحَّا وتركا ما ندبهما الله إليه من أخذ أحدهما على صاحبه بالفضل فلها نصف ما كان فرض لها في عقد النكاح وله نصفه ) تفسير الطبري (2-267). وللاعتراف بالفضل منـزلةٌ عظيمةٌ لما يعود منه من خيرٍ على المجتمع وتآلف أفراده، وتشجيع ذوي الفضل أنْ يستمروا في تفضُّلهم الذي يلقى الاعتراف من الآخرين، والاعتراف بالفضل من الشكر الذي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يشكر الناس لم يشكر الله عزوجل) أخرجه أحمد (2-258) واللفظ له وقال أحمد شاكر: رواه أبو داود (4811) والترمذي (3-132) وقال حديث حسن صحيح. ويُفهم من هذا الحديث أنَّ من يشكر الناس فإنما يشكر الله عزوجل أيضاً، والشكر لله يزيد في النعمة ويورث الرضا قال الشاعر:
الشكر لله كنزٌ لا نفاد له
من يلزم الشكر لم يكسب به ندما
وقال الآخر:
علامة شكر المرء إعلان حمده
فمن كتم المعروف منهم فما شكر
إذا ما صديقي نال خيراً فخانني
فما الذنب عندي للذي خان أو فجر
قال أبو حاتم ابن حبان البستي: (الواجب على المرء أنْ يشكر النعمة ، ويحمد المعروف على حسب وسعه وطاقته، إنْ قدر بالضِّعف، وإلا فبالمثل، وإلا فبالمعرفة بوقوع النعمة عنده، مع بذل الجزاء له بالشكر وقوله له: جزاك الله خيراً) انتهى. ومن اهتم بإسداء المعروف إليك ولم يصبك منه نفعٌ فاشكره على اهتمامه قال الشاعر:
لأشكرنَّك معروفاً هممتَ به
إنَّ اهتمامك بالمعروف معروفُ
ولا ألومك إنْ لم يمضه قدرٌ
فالشيءُ بالقدر المجلوبِ مصروفُ
وقال الآخر:
ومن يسد معروفاً إليك فكن له
شكوراً يكن معروفه غير ضائعِ
ولا تبخلنْ بالشكر والقرض فاجزه
تكن خير مصنوعٍ إليه وصانعِ
وقال آخر:
فكن شاكراً للمنعمين لفضلهم
وأفضِل عليهم إنْ قدرت وأنعِم
ومن كان ذا شكرٍ فأهل زيادةٍ
وأهل لبذل العرف من كان يُنعمِ
ومن فوائد الاعتراف بالفضل، أنها اعتراف بالمنعم والنعمة، وسببٌ من أسباب حفظ النعمة، وأنها تكسب رضا الرب ومحبته، ومن الاعتراف بالفضل أنْ تنسب العلم إلى أهله، فمن أفادك في علم ديني أو دنيوي فانسب الفائدة إليه بقولك: أفادني فلان بكذا وهذا من الاعتراف بالفضل وهو من كريم الأخلاق وسموها. قال طرفة بن العبد:
ونُصَّ الحديث إلى أهله
فإنَّ الوثيقة في نصِّه
ومعنى البيت أي ارفع العلم إلى أهله وانسبه إليهم،ومن الاعتراف بالفضل ذكر محاسن والديك وشكرهما قولاً وعملاً والبر بهما؛ لأنهما السبب في وجودك وكما ربياك صغيراً.
خطيب جامع بلدة الداخلة (سدير)
Mashri22@gmail.com