كثرت هذه الأيام ظاهرة إقامة المعارض وأيام المناسبات بشتى أنواعها لدرجة أصبحنا معها بحاجة لعمل جداول لمواعيدها وأماكن إقامتها وترتيبها من حيث أهميتها والعائد منها وجهات رعايتها وتنظيمها، حتى لترى أن بعض تلك المناسبات تقام في موعد واحد يجعلك في حيرة من أمرك، أتذهب لتلك المناسبة أو ذلك المعرض.
ما أود قوله هنا أن جُل هذه المناسبات إن كانت معارض أو بازارات أو مؤتمرات أو أيام مهن أو أيام توظيف أو منتديات وبرغم أهمية كل منها وأهمية المردود منها إلا أن جُلها أصبح يدار بطريقة تجارية بحتة دون النظر لمحتواها أو القيمة المضافة منها أوما يمكن أن تقدمه لمرتاديها أو المشاركين فيها سواءً رعاة أو عارضين أوحتى زائرين، إن كان هناك ثمة مشاركات، فما يهم الجهة المنظمة بادئ ذي بدء هو العائد المادي من إقامة هذه المناسبات من خلال ما تقوم به من توسلات بطرق لا تخلو من النعومة لأصحاب رؤوس الأموال أو الشركات الكبرى ليتقدموا برعاية المناسبة التي غالباً ما تكون بمئات الآلاف من الريالات وما يصاحب ذلك العرض من إغراءات بتوفير أماكن للعرض وتسلم درع من راعي الحفل ووضع الشعار على الحملات الإعلانية وخلافه من أدوات ووسائل الإغراء المعروفة في علم التسويق.
أصبح هاجس تلك الجهات التنظيمية الحصول على المردود المالي بغض النظر عما تقوم به بل أشك في غالب الأمر أن أحداً ممن أوكلوا بمهمة التسويق لتلك المناسبة يستطيع توفير الإجابات عن جميع تساؤلات الشركات التي يتم شحذ رعايتها لتلك المناسبة، فيما أصبحت المنافسة بين تلك الشركات التنظيمية على أشدها في جذب الجهات التي ترغب في إقامة أيام مهن أو مؤتمرات أو معارض وخرجت عناوين رنانة لتلك المناسبات فيها من الإثارة ما يكفي لإقناع العديد من الشركات للمشاركة فيها ثم ما تلبث تلك الشركات أن تعترف بعدم قيمة ما اشتركت به وضياع المال والجهد الذي بذل في ذلك اليوم.
أما الجهات المستفيدة من هذه المعارض أو أيام المهن أو سمها ما شئت فهي المغلوب على أمرها والتي سلمت نفسها ومناسبتها والغرض الذي من أجله أرادت إقامة تلك المناسبة لجهة يُفترض أن تكون محترفة توفر ما تطلبه الجهة الراعية وتحقق مرادها وأهدافها دون أن تستخدم اسمها بطرق اشمئزازية للحصول على رعاية من إحدى الشركات الأمر الذي ينعكس سلباً على الجهة المستفيدة أكثر من الجهة المنظمة، فمعلوم أن الشركات المستهدفة على الأغلب لا تنظر للجهة المنظمة ولا لكيفية التنظيم ولا حتى ربما لاسمها إلا عند تحرير الشيك قبل أو بعد المناسبة، إنما هي تنظر للجهة المستفيدة من تنظيم هكذا معرض أو مؤتمر أو يوم مهنة أو خلافه، فما تقوم به الجهات المنظمة لا شك يعكس حُسن اختيار الجهة المستفيدة لها ويترك انطباعاً لدى الشرائح المستهدفة شركات أو أفراد.
كتبت سابقاً عن ضعف الوعي بأهمية العائد من الاستثمار في مجال المسؤولية الاجتماعية وما أدى إليه من تدني توجه المؤسسات والشركات العاملة بالمملكة للاهتمام به. فمعلوم أن الشركات التي تستثمر في هذا الجانب تحقق أرباحاً وعوائد استثمارية لا يمكن تجاهلها وما ابتعاد الشركات عن الاستثمار في هذا الجانب إلا نوع من انعدام الرؤية حول الفائدة المنتظرة منه وقلة الوعي بالمفهوم العام للاستثمار في المسؤولية الاجتماعية إلى جانب الخلط الموجود بين العمل الخيري والمسؤولية الاجتماعية، فضلاً عن عدم إفراد ميزانيات مستقلة لأنشطة الشركات والمؤسسات في هذا الجانب وإبقاء ما يتم صرفه على الاستثمار في المسؤولية الاجتماعية ضمن ميزانيات التسويق أو العلاقات العامة، الأمر الذي أضعف المخرجات المتوقعة وأطّرها ضمن مفهوم العائد التسويقي.
لست مع تقنين تلك المناسبات ففوائدها أكبر بكثير مما نتصور ولست بصدد الحديث عن تلك الفوائد هنا، لكنني أناشد الجهات المعنية إما بأن تقوم على تأهيل أفراد أو موظفين لديها ليصبح لديهم القدرة الكافية لتنظيم هكذا مؤتمرات أو معارض أو مناسبات أو أن تتحرى الدقة في اختيارها للجهات التي ستحمل اسمها في التوسل والترجي لدى القطاعين العام والخاص لجذبهم وجذب رعايتهم المادية دون المعنوية وبطرق قد لا تقبل بها تلك الجهات أو هذا إن هي علمت بذلك. إلى لقاء قادم إن كتب الله.