|
بقلم - جفري فيفر(*)
حتى عندما تتخذ الأمور مساراً خاطئاً بشكل واضح، فإن الميول النفسية القوية تحول دون قيام القيادي المتوسط القدرات من تصحيح مساره. وقد ساعدت الدراسة المبتكرة التي أعدّها باري ستاو خلال السبعينات على توضيح هذه المسألة. وفي إطار الدراسة المذكورة، طُلب من طلاب شهادة الماجستير في إدارة الأعمال اختيار أفضل إستراتيـــــجية استثمار في الأبحاث والتطــــوير التي يمكن لأي شركة تبنيها.
ومن ثم تم إطلاعهم على ما آلت إليه الإستراتيجية من نتائج (مخيّبة للآمال). وفي الجولة التالية، سُئلوا ما إذا كان يُفترض بهم تغيير مشاريع البحث والتطوير في منتصف الطريق أو ضخّ المزيد من المال في الإستراتيجية الأصلية.
إلى ذلك، رأى ستاو أنّ الإجابات قد اختلفت إلى حدٍّ كبير بناءً على من اتخذ القرار. وعندما كان الشخص هو نفسه مسؤولاً عن الإستراتيجية الأولى المخيّبة للآمال وكان عليه اختيار الخطوة التالية، عادةً ما قرر مواصلة المسار نفسه لا سيما وأن القيام بالعكس يعني أنه يقرّ بالخطأ.
لا أحد منا يحب الإقرار باتخاذه قرارات خاطئة، كم بالحري بالنسبة إلى شخصٍ تم اختياره لقيادة مؤسسةٍ كبرى لكونه قادراً على رؤية المستقبل بشكل أوضح من غيره. فهذا الإيمان لا يخلق الضغوط الكبيرة فحسب، بل يمنح القائد انطباع بأنه فعلياً قوي بما فيه الكفاية لإنجاح الأمور - مهما كلّف الأمر.
ووحدهم القادة الأفضل هم الذين يتشبثون بشدة بالفكرة القائلة بأنّ وظيفتهم الأولى تقضي فعلياً بتنفيذ إحدى الاستراتيجيات المختارة – وأنّ نصف هذه الوظيفة على الأقل يقضي باتخاذ القرار بشأن ما لا ينبغي القيام به. وهم يدركون تماماً أنّه يتوجب عليهم أن يكونوا متمرسين في التفكير أي من المنتجات لا يجب إدخاله إلى السوق وأي المناطق الجغرافية لا يجب الدخول إليها. بيد أنّ أياً من هذه المسائل ليس بالأمر السهل، حيث إنّ اتخاذ القرار بشأن ما لم لا يجـــب القيام به يمكن أن يُعتبر إقراراً ضمــــنياً بالقيود التي تشكّل هي نفسها دليلاً على وجود نقصٍ في الطموح أو القدرة.
وفي الختام، يُشار إلى أنّ اعترافكم بعدم القدرة على القيام بكامل الأمر لا يُعدّ فشلاً في القيادة، إنما هو القيادة الفعالة بحد ذاتها. لكن، وعلى الرغم من كافة الكتابات التي تتناول مجال الأعمال والتي تدعو إلى التواضع المعقول، فإنّ ثقافة القيادة البطولية لا تزال قائمة. وقد ينتج بالتالي عن الأمر ضياع الموارد هباءً وتخييب الآمال، واستمرار المشاكل.
وإذا أتى قائد وأظهر استعداداً في تقديم تقييم واقعي لمواطن الضعف والقوة، والإقرار بما يُفترض أو بما لا يُفترض بالمؤسسة أو الدولة القيام به أو التوقف عن القيام به، فهو قائد الأجدر استقباله بالتقدير والامتنان لا بالسخرية.
(*) هو أستاذ توماس في مجال السلوك المؤسساتي في «كلية إدارة الأعمال» (Graduate School of Business) في جامعة ستانفورد؛ يحمل كتابه الجديد عنوان: «السلطة: لم هي في يد بعض الناس دون الآخر؟ (Power: Why Some People Have It and Others Don’t).