في زمن غربت فيه شمس الأخلاق وغاب عنه قمر الفضيلة تعودنا في حياتنا أن ندعو للتمسك بكل هدب للأخلاق وبارقة للفضيلة، وفي ذات الوقت لم نجد الكثيرين ممن تنطبق عليه صفات القدوة الحسنة ولم نجد من يدلنا على أحدهم، فالمادية المجردة أصبحت ثمن الرجال وعربون المواقف بكل أسى وأسف.
ولكننا شاهدنا واقعاً ينبت من رحم المعاناة ومن شفق اليأس حيث تستمد الرجال إلهامات النجاح، وعندما يكون الرجل بمرتبة فارس وبموقع أمير فهذا قد يحصل ويتكرر، وعندما تصبح الفضائل ونبل الأخلاق ومذاق الإنسانية سمات لتلك الشخصية فهذه هبة من الله يضعها في من يشاء، وحين تجتمع كل تلك الصفات في شخص واحد له من المحبة والاحترام والتقدير والسيرة العطرة فذلك الرجل بلا ريب.. هو اللاعب السابق والرمز المؤسس لدعائم القيم الأخلاقية والفكر المستنير (خالد بن عبدالله)، وهو بحق قدوة القول والعمل في كل المجالات وفي المجال الرياضي على وجه الخصوص.
هذا المجال الرياضي الذي شوهت وجهه النبيل ندوب الممارسات المغلوطة وجروح الأفكار المأفونة وضربات تصفية الحسابات الشخصية حتى حسبنا أن كل من أراد تصفية حساباته مع آخر فما عليه سوى الانخراط في المجال الرياضي ففوزه مضمون ومشجعيه حاضرون وحطبه بدون مقابل.
وهذا الرمز التاريخي يقدم لنا وللأجيال جامعة في الأخلاق وحسن التعامل وممارسة الفضيلة في الفوز والهزيمة، وهو لا يقوم بذلك تنطعاً أو تمثيلاً بل هي صفة وسمة ومركب أساسي في شخصيته، كيف لا وهو تربية الفارس النبيل والدنا وحبيبنا: عبدالله بن عبدالعزيز متعه الله بالصحة والعافية.
قاد الأمير خالد النادي الأهلي بكل رقي في التعامل حتى أصبح الرقي مرادفاً لخالد، واحترم المنافس حتى أصبح الاحترام سمة الأهلي الكيان، وأغمض عينه عن شواردها فدانت له قلوب المنافسين ووجوه المعارضين، وغرس شجرة القيم والأخلاق في باحة النادي الأهلي فأنبتت له أكاديمية لا مثيل لها ولا شبيه، يؤمن بأن من يعمل يخطئ ومن لا يعمل لا يخطئ، يكافئ بسخاء ولم يحدث قط أن وصف ما يقدم بالعطية أو الهبة بل المكافأة المستحقة خصوصاً للكيان الأهلاوي.
تشرفت برئاسة عدد من المعسكرات والبعثات الخارجية للفئات السنية بالأكاديمية وكنت أقدم له في ختامها تقريراً شاملاً، وأصبحت من بعد أول تقرير أحاسب كثيراً فيما أكتب، فالرجل قارئ وناقد ودقيق جداً، وتعليقاته على هوامش التقرير تقود إلى مراحل أعلى في التفكير بما يعني تفعيل ما ورد إلى أفكار في قوالب قابلة للتنفيذ ووضعها ضمن لوائح وأنظمة احترافية علمية قدمتها أكاديمية خالد بن عبدالله للمملكة العربية السعودية ليستفيد منها الجميع.
في إحدى معسكرات الأكاديمية في البرتغال، توفيت والدة أحد اللاعبين -رحمها الله- وكان ذلك الفتى (13) عاماً، ووصل الخبر لسموه فاتصل سموه قبل أن يعرف اللاعب بوفاة والدته ووجه بضرورة إعادة اللاعب للمملكة مع اثنين من المشرفين مهما كلف الثمن وأن يتم إيصاله إلى بيت أهله بمكة المكرمة حتى لو أدى ذلك لقطع المعسكر وإيقاف تدريباته، لقد كانت معاني الحياة لديه ذات قيمة إنسانية عليا من النادر وجودها في من يتمتع بالجاه والسلطة والنفوذ.
في أحلك الأوقات وفي شدة الظلمات تجده بكل هدوء ينساب بين الحاضرين كضحكة الفجر الصادق فيبعث برسائل التطمين والأمل والبشر، وهكذا كان السر (وهو ليس بسر!) في البطولة الغالية، عندما راهن الجميع والكل على الخسارة إلا أبا فيصل فلقد كان الإخصائي النفسي والمعالج الحاذق للجميع من لاعبين وإداريين وفنيين وجماهير، لا تصدقوا كثيراً ممن يتحدثون بعد الفوز حتى من الأهلاويين فلقد كان الجميع وبدون استثناء على كراسي ملتهبة إلا خالداً فلقد كان ينثر الثقة والعزيمة والإصرار في تركيبة رائعة من شكيمة الفرسان وشجاعة الشجعان.
تحدث الكثير من المماحكات مع الأندية المنافسة فلا يقابلها بنفوذه بل يقابلها بعقله وفكره وابتسامة تقول (الله يهديهم) وكم من موقف ترفع فيه عن مواقف الآخرين وتحليلها والرد عليها، وكم من مواقف بادر فيها بالاتصال لحل الإشكال فيأتيه الرد من الطرف المنافس بأن الموضوع انتهى والحقيقة أنهم أكذب من شاعر كما تقول العرب ومع ذلك فلا يرد ولا يعاود وإنما يبتعد شامخاً وهو أقدر على الرد.
أقترح على الرئاسة العامة لرعاية الشباب ممثلة بأميرها الشاب الخلوق: نواف بن فيصل بن فهد، أن يتم رصد (جائزة سنوية للخلق الرياضي) بين رؤساء ومسؤولي الأندية شرطاً أن تكون موضوعية ومبينة على حقائق ودلالات، وألا تكون نمطية بل احتفالية للرياضة في أسمى معانيها المتمثلة في أنها أخلاق وفروسية ويتم استعراض أعمال وأقوال ومواقف الفائز في تلك الاحتفائية، الغرض منها تقديم النماذج الحية والقدوة الحسنة للمجتمع فذلك جزء من رعاية الشباب. قد نفوز بكأس العالم وقد لا نفوز، ولكن أن نفوز بالأخلاق من جامعتها فذلك مكسب الأجيال ومطلب العقال، ومبروك مقدماً للخالد في القلوب.
* عضو مجلس أمناء أكاديمية النادي الأهلي
عضو شرف النادي الأهلي