من المتعارف عليه بأن آثار أي بلد كان؛ إنما هي تمثل العمق التاريخي والإرث الحضاري لسكانه على مدى التاريخ، ولأنها قيمة وكنز، فمن الأهمية بمكان المحافظ عليها من الاندثار، ليس هذا فحسب ؛وإنما الأهم بعد ذلك إبرازها واستثمارها للحفاظ على الهوية التاريخية للبلد وسكانه، والآثار تعد اليوم من مقومات السياحة، والوجهة المفضلة عندما ينزل السائح إلى أي منطقة، فهي عنوان واضح وبارز في إعطاء إلماحة سريعة عن إرث وتراث المنطقة.
وفي منطقة عسير آثار كثيرة، منها ما تم العمل على إبرازها وتطويعها لخدمة السياحة، وتقديمها كمادة ثقافية لأبناء المنطقة، ولزائري المنطقة صيفا، كمتحف «قرية رجال ألمع» والذي كان لأهل بلدة رجال الفضل بعد الله في إقامة المتحف عبر شركة استثمارية، شكلها أهل رجال وبعض أسرهم، فاستطاعت أن تحافظ على القيمة التراثية لجزء مهم من أجزاء تراث منطقة من مناطق المملكة، وتحولت القرية إلى مقصد سياحي، وقدمت صورة ثقافية ماتعة تجعل الزائر حين يهم بمغادرة المكان وقد تعلقت نفسه به ينشد قائلاً:
أشوقاً ولما يمضي لي غير ليلة
فكيف إذا جد المسير بنا شهراً
لكن في المقابل أهملت آثار، ولم تغفل من التاريخ، لأنه لا يمكن محوها أو نسيانها، ولكنها لم تجد حتى تاريخه العناية، رغم وجود «هيئة عليا للسياحة والآثار» ولم تجد في أساتذة التاريخ والآثار، من يحولها لمادة بحثية تنجح في تقديم أوراق عمل للجهات المعنية، ومنها الهيئة العليا للسياحة والآثار لتحولها إلى ورشة عمل، حتى تصبح على استعداد لاستقبال الأجيال من السياح، مثل «مدينة جرش» التاريخية، فكانت إلى قريب مفتوحة للعابثين حتى أحيطت «بأسلاك» ولا أدري هل يتم التنقيب عن كنوزها أم تنتظر؟! وهناك قلاع وقصور مثل القصور الخاصة بأسرتي آل مشيط وآل أبو ملحة، لم تستثمر من الأسرتين، وآثار في قرية الواديين، ومساجد قديمة في قرية آل سرحان وفي مركز تندحة مواقع تحتاج إلى حصر وجدولتها لإبراز تاريخها واستثمارها سياحياً.
وما يجدر لي ذكره هنا هو الاهتمام الشخصي من بعض رجالات المنطقة في إنشاء متاحف خاصة، أذكر منهم الدكتور محمد آل زلفة «مركز المراغة» رغم أني لم أزره، ومتحف محمد الراقدي، ومتحف سعيد بن معتق، ومتحف الأديب سعيد الغماز الذي استثمرت أسرته مشكورة جهود ذلك الرجل وماتركه لمن خلفه من إرث يجب العناية به وإظهاره، ومتحف منزلي للأستاذ أنور خليل رئيس النادي الأدبي بأبها، ومتحف قرية ظافر بن حمسان في قريته التراثية بالخميس، لقد نجحت هذه المتاحف الشخصية والمنزلية منها، في حفظ شيء من التراث الخاص بالمنطقة والتراث الوطني، واستقطبت زائرين، وشكلت رافدا سياحيا مهما في المنطقة، وإن كان الإعلام غائبا عنها، فلا مراكز إرشاد سياحي تنوه عنها، بل مراكز الإرشاد السياحي التي كانت تزين مداخل مدن ومحافظات المنطقة أصبحت من الآثار!!! إضافة إلى متحف» قصر شدا» ومتحف قرية «المفتاحة» وما لقياه المتحفان من حفظ لصيانة الآثار الخاصة بالمنطقة، ولايمكن لي أن أنسى قرية المقر التراثية في منطقة النماص، 100 كم شمال أبها، وجهود صاحب القرية الأستاذ محمد المقر، وأعده متحفا فريدا من نوعه في محتواه وطريقة عرضه. وسنبقى نردد عند كل أثر وأطلال تذكرنا بالماضي ومازالت ماثلة للعيان قول أبي الطيب المتنبي:
لك يا منازل في القلوب منازل
أقفرت أنت وهن منك أواهل