|
يحكى أن أحد الملوك كان لا يرهب شيئا غير الشيخوخة وإذا رأى شيخا اغتمت نفسه، وانفطر قلبه، فأصدر أمره بقتل كل من زادت سنه عن الستين، فتوافد الشباب من مختلف أرجاء المملكة حاملين الهدايا النفيسة ضارعين إليه أن يعفو عن الشيوخ من ذويهم ولكن الملك الذي لم تجد هذه التوسلات سبيلا إلى قلبه قال لهم: »من يفلح منكم في إخراج الجرة الذهبية التي وقعت في البحيرة أبقيت على حياة أبيه مهما علت سنه، ومن يخفق أنفذت حكمي فيه وفي أبيه !» وأخفق تسعة وتسعون شابا، فأطاح الملك برؤوسهم جميعا، وهرب شاب يدعى أوزمن بأبيه الذي أشرف على السبعين وحمله إلى الكهف وذات يوم كان الشاب جالساً بجوار أبيه فلاحظ الشيخ شرود ذهن ابنه فسأله عن السبب، أجابه: «يحيرني أمر هذه الجرة يا أبي إن المرء إذا نظر في الماء وهو واقف على الشاطئ رآها واضحة وإذا وثب إلى الماء اضطرب واعتكر ولم يعد يراها» وفكر الشيخ قليلا ثم قال:
إن الجرة يا بني موضوعة بين فروع الشجرة على الشاطئ وما يبدو في قاع البحيرة ليس إلا صورتها!
وأسرع الشاب إلى الملك وقال: إن لم أحضر لك الجرة فاقطع رأسي! فحدد له الملك موعدا وفي الموعد أسرع الشاب إلى شاطئ البحيرة ودهش الجميع إذ رأوه يتسلق الشجرة بدلا من أن يغوص في الماء وما هي إلا أن هبط ومعه الجرة فسلمها للملك.
فقال الملك: لم أكن أتوقع أن أجد في مملكتي شابا حكيما مثلك.
فقال الشاب: «إنما الحكيم هو أبي الشيخ لقد أخفيته في مكان بعيد كي لا يعدم وهو الذي أنبأني بوجود الجرة فوق الشجرة»
وأطرق الملك قليلا ثم قال: »إذن فالشيوخ حكماء وما لم يفطن إليه تسعة وتسعون شابا فطن إليه شيخ واحد. وقد أيقنت الآن أن حكمة الشيوخ نافعة لمملكتي بقدر فتوة الشباب وقوته»
فنجا الشيوخ جميعا وصار كلما لقي شاب شيخا في الطريق أفسح له رحمة بشيخوخته وإجلالا لحكمته.