|
يروى أن سَيِّدَ لقمان الحكيم أعطاه ذات يوم شاةً وأمره بذبحها وأن يأتيه بأطيب ما فيها؟ فذبحها وآتاه بقلبها ولسانها ثم أعطاه في يوم آخر شاة أخرى وأمره بذبحها ويأتيه بأخبث ما فيها فذبحها وآتاه بقلبها ولسانها!! فسأله عن ذلك فقال: هما أطيب ما فيها إن طابا وأخبث ما فيها إن خبثا.
من القلب واللسان تقع أكثر المزالق إيلاما وأشدها إحراجا، فلو أطلقت العنان لذاكرتك تفكرا واستحضارا لكثير من المواقف لوجدت أن أبقاها في ذاكرتك تلك التي انطلقت من لسان واخترقت قلبك أو تلك التي رمى بها لسانك وأعقبها محاولات منك جادة لوقف نزفها وتطبيبها وستر انكشافها.
حقيقة!
هي قاعدة عكسية للقلب واللسان فما يقع في القلب يستنطقه اللسان والعكس كذلك.. منهما تتفكك عرى علاقاتنا بالآخرين وتبعا لنهجهما تقل محبتهم واحتفاظهم بود لنا!
كي لا تقع فيها؟
لكي لا يقع في قلبنا ما يكدر صفحات بياضه ولا تصاب ألسنتنا بآفة ينفر من عدواها كل سامع، إليك يا صاحب القلب السليم والعقل المنير بعضاً من المزالق الشائعة في أحاديث مجالسنا كي تكون على وعي اللبيب منها:
1- حراج الحقيقة!
عندما يتملك ذهنك حقيقة آنيّة أو باقية في قلبك تجاه أحدهم إياك أن تطلقها علانية تجاهه فإنه مهما بلغت صواباً من لب حقيقتها لن تتقبل منك إلا في أندر.. أندر الأحوال.. ففي الغالب سوف يجاب عليك برد يفحمك أو صمت يخجلك عدا أن جلساءك سيصادرون حكماً عليك مغيباً في قلوبهم بخطئك وسوف يتجنبون مجلسا تكون فيه لأنهم لا يعلمون إلى أين ستلقي سهامك في المرات القادمة!
كن ذا مروءة واحفظ ماء وجه الصغير والكبير يكن وده لك في غيابك وحضورك مهما حييت وإن مسك أحدهم بحقيقة فيك تفهم وأصلح، وتذكر موقف الحبيب عليه الصلاة والسلام مع أبي بكر رضي الله عنه عندما جادل عمر فأحزن عمر أبا بكر فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر واحتضنه بجواره وقال : (هلا تركتم لي صاحبي). يقول عمر رضي الله عنه: فما لا حيت أبا بكر بعدها إلى أن مات.
2- الإعلان الممل!
معظم المنتجات رفيعة المستوى والتي رغم معرفتنا جيدا بها تتبع مهارة التجديد ببراعة أخاذة تجذبنا جذبا لمتابعتها حتى النهاية! بينما بعض المنتجات الجديدة والتي لا تتبع التجديد لا تلق لها بالا بل قد تتململ منها وتبحث عن بدائلها وبالمثل تماما كذلك من لا يخلو حديثه من تكرار كلمة «أنا» أو «لدي ..كنت ..» ، «ذهبنا إلى...» وكأنما حاله تسويق وضيع لبضاعة كاسدة ملها الناس لمعرفتهم الجيدة بها ونفروا من إزعاجها! .. سامعوه وإن جد في حديثه وبلغ مبلغاً في علمه وجاهه أشاحوا بوجوههم أو ذهبوا سارحين بذهنهم وأضحت عيونهم شاخصة أو تظاهروا بعدم سماعه وغيروا مجرى الحديث وهذا ما يفعله كثير من الحذاق مع الإنسان «إعلان ممل»!
إن تكرار الحديث عن شؤونك تفسد قلبك ثم حالك كله.
«وكن رزينا طويل الصمت ذا فكر.. فإن نطقت فلا تكثر الخطب ولا تجب سائلا من غير تروية.. وبالذي لم تسل عنه فلا تجب»
3- القاضي الجائر!
هناك من يعد الدنيا محكمة هو القاضي العالم فيها بشؤون البشر وزمانهم !حكمه اللازم الإدانة! لوم وتقريع وتحميل للآخرين بلا تقويم أو إصلاح حال بحسن القول والفعال!
تذكر من ضاق قلبه بالبشر وآثر البراءة له كثر سقط قوله وتباعا سقطت محبته وأدين في صدقه فاظفر عن الخبث بطهر أطيب ما فيك.
هما مرآتك
ليس أمر قلبك ولسانك في هذه المزالق فقط بل هناك الكثير وحتما قد عصف بحياتك شيئا منها ولكن الأهم هل تهوى الانزلاق بها وتواصل الانحدار أم حرصت جاهدا على نجاتك والصعود لسماوات الصفاء والطهر.. هما مرآتك فاعمل بعزم على زوال ما يكدر نقاءهما.
هدى بنت ناصر الفريح