لعل الكثير من الكتّاب، كتبوا مستنكرين كلام الدكتور طارق الحبيب، إذ لم يكن موفقا في استخدامه التمثيل بضعف الولاء للوطن بذكره اسم منطقتين غاليتين في الوطن الكبير، فمواقف أبناء الشمال وأبناء الجنوب مواقف عظيمة يشهد لهم بهذا القاصي والداني، مثلهم مثل كل أبناء المملكة في الشرق أو الغرب أو في المنطقة الوسطى، فالوطن أغلى ما يملك الإنسان؛ بعد نعمة الدين الإسلامي، ولأنه كما قال هوميروس: «ليس هناك أعذب من الوطن» فالمرء لا يعرف قيمة وطنه إلا عند فراقه، والمتأمل في علاقات أبناء الوطن سيجد أن لحمة المواطنين قوية، تظهر في علائق المواطنين ببعضهم بعضا، وفي تواصلهم منذ القدم، وكلنا نذكر هجرة الجنوبي للعمل في جميع اتجاهات الوطن، فكان من أبناء الجنوب من رحل للمنطقة الشرقية، وعمل في كبريات الشركات النفطية آنذاك، وكسب اللغة الإنجليزية، بفطرته الذكية، وفي المقابل هناك من أتى إلى الجنوب من الشمال والوسطى والغربية ووجد فيها الحضن الدافئ، والأهل والنسب فأقام، وهناك مزيج في الترحال والتنقل، حتى تشكل ذلك الانصهار الجميل بين أبناء الوطن، لهذا لا يجب أن يشوه هذه اللحمة، تصاريح تخرج بدون تعقل فتخدش المشاعر الوطنية لدى إنسان الوطن وتخلق أزمات في العلاقة، فكل مواطن من أجل وطنه لديه الاستعداد أن يضحي بالغالي والنفيس، ليبقى شامخا، فهو فخرنا، وشرف لنا أن ننتمي جميعنا إلى جميع مناطقه، من أقصاه إلى أقصاه، نلثم ثراه عشقا ونستنشق هواه عطرا، ونتغنى بحبه انتماء وولاء، في ظل قيادة ليس لها من هم إلا خدمة الدين والوطن.
والعربي منذ القدم يعشق أرضه حتى أنه من شوقه له كان يصطحب معه حفنة من تراب الوطن ليشمها، بل ويضعها في قليل من الماء ليشربها، كلما هزه الشوق لمرتع صباه، وملعب طفولته، وميدان شبابه، وحول هذا عبر شاعر:
ولابد في أسفارنا من قبيصة..
من الترب نسقاها لحب الموالد
وهكذا حق للعربي أن يعشق مسقط الرأس لدرجة البكاء «ذكرت بلادي فاستهلت مدامعي «، وحتى لا نزيد رقعة الخلاف حول تصريح الدكتور، بخروج تعليقات وتصاريح، تزيد الاحتقان، فلنعد كلام الحبيب (زلة لسان) ليس أكثر، ولنقبل اعتذاره إلى الجميع، دون أن ندخل في خلق مهاترات مع الرجل وفق حسابات الأخطاء، قد تسوقها الظنون، إلا أن من الأهمية بمكان التنبه إلى أن تفجير قضية المناطقية، والجهوية، وإثارة النعرات القبلية، وتقاذف التهم، في هذا الوقت تحديدا وعلى الدوام، ليس من مصلحة أحد في الوطن، ومن الخطأ أن نتحول إلى قضية، لتقسيم المواطنة بمقياس النسب المئوية، فالوطنية لا تخضع للمقاييس وفق الدرجات، لأنها شعور داخلي أقوى يحركه الحب الفطري الغريزي للوطن، والذي يصدق على حب الوطن (الأفعال لا الأقوال)، فمن السهل أن يقول أحدنا: «أحب الوطن حتى الموت» بينما هو يسرق ساعات الدوام، ويعتدي على إشارة المرور بخرق النظام، ويقبل الرشوة ويسميها بأسماء ليمرر جريمته ضد الوطن والمواطن، ويتكاسل في عمله، وينشر المخدرات في أوساط الشباب و.. و.. و.. إلخ، فالمواطنة الحقة كما قيل: «أن تعمل للوطن أكثر مما تتكلم».