حينما كان مجتمعنا صغيراً كان هؤلاء ينتشرون في الحارات المهجورة وفي المقاهي خارج المدن، كي يروّجون سمومهم في أماكن تجمعات الشباب، وهم آنذاك يبحثون عن المادة ولا يرتبطون بشبكات عصابات دولية متنوعة، أما الآن فقد انتشر هؤلاء في كل مكان، في المدارس والجامعات والمقاهي والملاعب وفي كل مكان متوقع وغير متوقع، بل حتى في الإنترنت، تحت مسميات متنوعة وحيل خطرة، ويرتبط هؤلاء بعصابات ومافيا تعمل ليل نهار على ترويج سموم المخدرات في أنحاء العالم، وتستخدم أصعب الحيل والخدع لتهريب هذه السموم عبر حدود الدول ومطاراتها.
لاشك أن عقوبة الإعدام عقوبة عادلة وضرورية لمروجي هذه السموم، لكن المأزق هو كيف يتم الإيقاع بهؤلاء الذين قد يفلتون أحياناً، قبل أن ينثروا مصائبهم بيننا، كيف تتحول بضاعتهم إلى الكساد حتى لو عبرت، كيف يمكن أن ننشر الوعي بين فئات الشباب من الأولاد والبنات، بل كيف ننشر الوعي حتى بين أولياء الأمور، وكيف لهم أن يدركوا التحولات التي تصيب أبناءهم وبناتهم، تلك التي تشير إلى وقوع هؤلاء في براثن هذا القاتل الشرس، كيف نجند أبناء المجتمع وكافة فئاتهم في العمل ضد هؤلاء والإرشاد إليهم والإيقاع بهم، وتخليص المجتمع من شرورهم، لأنهم لن يكفوا أبداً ولن تتوقف حيلهم وطرق تهريبهم!.
فهل يُعقل أن يحمل إنسان في أحشائه كيلو ونصف أو أكثر من مخدر الهيروين، وهل يعقل أن تُستخدم الناقة، ذلك الرمز الذي نحترمه ونقدسه كجزء من تاريخنا وإرثنا، في حمل مخدرات في أحشائها، كي تعبر الحدود بها، وغير ذلك الكثير من الأفكار المجرمة؟ تلك الأشياء الغريبة التي تكشف عن ذهنية مجرمين ومهربين مخدرات لن يتوقفوا أبداً ما لم يقف المجتمع بأكمله ضدهم، وذلك لن يكتمل إلا بنشر التوعية بطرق أكثر فعالية، فلا تكفي اللافتات في الطرقات، ولا يكفي إعلان تحذيري عابر، بل لابد أن تعمل كل الجهات في التوعية، من وزارة الصحة إلى التربية والتعليم إلى الداخلية إلى القطاعات الخاصة من بنوك ومستشفيات وشركات اتصالات وغيرها، ولن تجدي الإعلانات العادية، لأنها بالفعل تحولت إلى أمر معتاد لا تلفت الانتباه، فلابد من أفكار مبتكرة تتنوع في التوجه إلى الفئات، إلى الأطفال أولاً، وإلى الشباب ثانياً، وإلى الآباء والأمهات أولاً وأخيراً، وكذلك الحذر من المواقع التي تروج للمخدرات تحت أي مسمى، حتى لو كان يجعلنا للوهلة الأولى نظن أنه مجرد لعبة أو موسيقى، فاعتياد الإنصات لموسيقى المخدرات والاستمتاع بها هو خطوة أولى إلى جعلها أمراً عادياً يومياً، ومحرضاً للدخول في التجربة، ومجرد الدخول والتجربة هو الوقوع في شبكة إجرامية لن تترك الضحية إلا بكسب المزيد من الضحايا، بل وتحويل هؤلاء إلى موزعين لسمومهم، بالتالي تتسع الدائرة، وتزداد أعداد المستخدمين والموزعين والمروجين، ويتحول أي مجتمع إلى مقبرة، فهلا تكاتفنا معاً بأفكارنا وإراداتنا وإخلاصنا حتى لا تصبح بلادنا مجرد مقبرة!.