مع مغيب شمس يوم الجمعة 15 من رجب لعام 1432هـ غيب الموت العمة: لولوة بنت راشد بن دريس واسترد الله أمانته، فإنا لله وإنا إليه راجعون، غفر الله لك يا عمة وأنزلك المنازل العلى، وجعل ما أصابك من نصب ووصب تطهيراً وتكفيراً ورفعة في الآخرة، وجمع المولى شملك مع عمنا: سعد بن عبدالله بن دريس (توفي 1419هـ) رفيق دربك، وابن عمك في جنات النعيم؛ إذ كان منزلكما بالرياض في حي الشميسي ثم في حي الشفا ملتقى للأسرة - ما يقارب خمسين عاما - فكنت العوين والساعد، حقا ضربتما أروع الأمثلة في لم الشمل، وحسن الضيافة، من غير كدر ولا أذاة، مما شجع على الوصال والتراحم فصار مقصداً لآل دريس وأرحامهم للمقيم منهم والمسافر، وللضعيف والمقتدر على حد سواء، وهذا من فضل الله علينا وإحسانه، لست ناسياً (عمتي) وهي تطالع مصحفها: تقرأ في ربع يس وتردد: تدعو لمعلمتها، ثم تذكر طرفاً من أحاديث تعليمهن آنذاك وحفظت أنهن حين ينتقلن بين سور القرآن يقلن (نقزنا) أي تجاوزنا، وقد طالعتي هذه اللفظة في الوثائق القديمة ولم ألق لها بالاً، مع أنها من الفصيح المهمل، ثم دعاني ذلك أن أقرأ عليها بعض الموروث القديم من مسموع ومكتوب فأجدني أظفر منها بنوادر ونكات فريدة، ومرات كثيرة كانت تطرفنا بالأخبار المشفوعة بالنشيد العذب التام الوزن، وقلما روت خيراً من غير شعر ولا تقول في أحاديثها الفحش ولا تورد الهجر - رحمها الله - لقد أفدت منها كثيراً في القصص والأشعار الفريدة لشعراء من أهل الحريق وغيرهم؛ نساء ورجالاً بحافظة لم يشبها تخليط أو جهل؛ لأنها لا تروي إلا ما عقلت، غي أنها لما ضعفت بأخرة كانت تقف ولا تكمل؛ وتكرر ما كان سليماً، ولقد استشهدت ببعض مروياتها في كتاب: طريق حاج اليمامة عبر وادي نعام والحريق الصادر عام 1431هـ فوصفت لي رحلة الحج وما يلقون فيها من تعب وكلال؛ فتنثال على لسانها أخبار الحجي من هنا وهناك فيقطع البكاء عليَّ صوتها في أحايين كثيرة مما يشف عن فؤاد أسيف وبخاصة حين روت:
يا بن رخيص كب عن الزواريب
أرواحنا يا بن رخيص عواري
لي جتني أمه مثل طير الصاعفيق
تقول لي وين الخوي المباري
وأوردت هذا الخبر عن أبن رخيص حين ذكرت شبيها له من قصيدة:
غبَّاش يا حرز الركاب
أبنشدك عن تالي هلي
والخبر الأخير نال استحسان محرر وراق الجزيرة الأستاذ يوسف العتيق حين قرأ الكتاب، فخصه بحديث في عموده الدائم في الحج الفائت تحت عنوان: بين غبَّاش وقناة القرآن الكريم، ولا غرو فإن هذه العمة تعد الراوية الوحيدة من بين الرواة الرجال في كتابي. ومن آخر ما رويت عنها أنها تذكرت والدها راشد (ت 1402هـ) وما كان عليه من كرم وضيافة فنقلت بيتين لأحد الأعراب وهما:
يا هل الركاب اللي ترا رايكم عمسْ
انشد عن بن ادريس معطي وجبها
محماسها ما هيب تبرد من الحمسْ
والضو ما تطفي كثيرن حطبها
كانت العمة تولي زائريها الاحترام والتقدير، ولقد شهدت أن لها في كل نهاية الأسبوع مجلسين أو ثلاثة منها مجلس اختصت به للنساء مما يدل على محبتها، وقدرها عند ذويها وجيرانها، ومحبيها، ثم تركت فراغا وثلمة لا تسد، فرحمك الله وأسأل ربي أن تكوني ممن طال عمره فحسن عمله والحياة الدنيا متاع، وما أحسن قول الشاعر:
وما نحن فيها سوى سائحين
ليوم تمرُّ بنا القافِلةْ
فنترك ما جمعته اليدانِ
علهيا إلى حفرةٍ فاصلةْ
فالعزاء في العمة الغالية لآل دريس أجمعين بدءاً بابن عمها العم زيد بن عبدالعزيز زوج أختها العمة لطيفة والعمة سارة بنت عبدالعزيز، متعهم الله بالصحة والعافية، ولأخوي الفقيدة العم عبدالعزيز بن راشد، والوالد سعد بن راشد - حفظهما الله - وابنة الفقيدة: سارة (أم عبدالعزيز) وإخوانها: عبدالله ومحمد، وعبدالعزيز ود. إبراهيم ومن آل دريس لأبنائها تحية إجلال وتقدير في برهم المتناهي لوالديهم حتى نشأوا عليه الأولاد، أسأل المولى أن يبارك في الأعمار على الخير والتراحم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
عبدالله بن سعد بن دريس - الرياض