«فكر عولميًا.. وأعمل محليًا».
كان هذا شعار متفائل في منتدى جدة الاقتصادي شاركت فيه قبل بضع سنوات.
اليوم في مرحلة تحفل فيها المنطقة العربية بهزات التقلبات على كل الأصعدة سياسيًا ومجتمعيًا وثقافيًا وفي علاقاتنا مع العالم خارج المنطقة، يعود هذا الشعار إلى ذاكرتي من وجهة نظر أوسع من النمو الاقتصادي الذي ركزنا عليه يومها في نقاشات المنتدى. فالنمو يفترض أن بذور الغد موجودة في التربة المحلية وأن كل ما علينا هو التأكد من إثمارها.
ولكن الأمر اليوم ليس بهذه البساطة.
وحيث يتيح لي تخصصي في التخطيط التربوي للمدى الطويل موقع نظرة أعمق في تداخلات ما يحدث مجتمعيًا سواء في البعد الزمني أو البعد الديموغرافي، فإن بعض ما أراه من أعراض عامة يشغل بالي تجاه مستقبل المنطقة العربية والخليجية على وجه التحديد، وأولها أوضاع الشباب والمستقبل.
هناك إرهاصات تنبئ بخيبة آمال الشباب من الجنسين في تحقيق طموحاتهم وأحلامهم على أرض أوطانهم. ولعل أسوء ما نراه تصاعد رغبة الهجرة لدى شبابنا إلى أراض أخرى واعدة. وقد تكون مسببات الشعور بعدم الرضى متفاوتة بين الدول العربية المختلفة ولكنها في النهاية تشترك في كونها مسببات للإحباط وتداعياته.
في المملكة العربية السعودية مثلاً: التلكؤ الطويل أمام اتخاذ قرار السماح للمرأة بالسياقة يسبب ضيقًا شديدًا للكثير من الفتيات والسيدات المتعلمات اللاتي يعرفن معنى حرية الحركة في الخارج، والتحيز المجتمعي ضد مجاورة الشباب وكأن وجودهم يحمل فيروس تلوث تصرفات المجتمع المتميز بقيم الفضيلة، تسبب للكثير من الشباب رغبة في البحث عن مجتمع يتقبلهم ولا يراهم يحملون وباء نشر الرذيلة. ونتيجة لهذا - بالإضافة لتقلص فرص العمل في وظائف مجزية مادية - هناك عشرات الآلاف من المهاجرين الشباب السعوديين والسعوديات المؤهلين بالشهادات والطموح المتوقد ورغبتهم في عيش الحياة الطبيعية استقروا في الغرب أو حتى في دبي وغيرها من الإمارات العربية.
وليست مشكلة كبيرة أن تتكامل المنطقة العربية بالمشاركة في قدرات شبابها المؤهلين، المشكلة أن تبتعد أحلام الشباب إلى أراض بعيدة تتطلع إليها رغبتهم ليس فقط في المردود المادي لوظيفة.. بل للاستقرار نهائيًا. ولا ألومهم بل أتفهم رغبتهم في حياة بدون تعقيد مادي يسببه تقلص فرص العمل.. أو عاطفي سببه تراجع وجهة التطور الطبيعي الذي تعدى مرحلة مكانك راوح إلى نداءات «لنستعد تاريخنا وذاكرة مجتمعنا مثلما كان قبل قرون حين كانت لنا الصدارة المجيدة..»
هذه نظرة لا ترى أبعد من أرنبة تهيؤاتها. فالماضي لا يعود وإن أعدناه لن نستعيد الصدارة في مجتمع عالمي عولمي تقني يستوعب فكرة التجدد بالإضافات العلمية يوميًا.
وليس من الصعب تفهم مشاعر الإحباط عند الشباب العربي ولكن من الخطأ أن لا نعطيها حقها من الاهتمام كمسببات قلقلة وبلبلة وحرمان للأوطان من استثماراتها في أبنائها وبناتها.
وأتابع معكم في حوارنا الحضاري القادم.