لا شيء يمكن أن يظهر التحول إلى التقديس، والسكرة بالأبدية، مثل خطابات الزعماء العرب الساقطين والمتمسكين بأطراف أجساد الشعوب لنزعها من أجسادها رغبة في البقاء حتى آخر نَفَس في الشعب، ليس فقط من حيث مفردات مثل (الجرذان والجراثيم والخونة وقُطّاع الطرق)، ولكن - أيضاً - من حيث اعتقادهم بقدرتهم الخارقة على الإمساك بزمام كل الكلام والبلاغة.
وبين إخفاقات عدة للحاكم العربي فقد فشل تماماً ونتيجة لضعف التأهيل والإدراك في اختيار الخطب، ولم يستطيعوا إقناع حتى أصدقائهم.
كذلك اعتقد زين العابدين، وراهن حسني مبارك، كان الخطاب فوقياً وخطراً، لا يصدِّق أبداً أن الشعب تخلى عن خوفه ونزع الحب المزيف للقائد. وفعل القذافي بشكل غير لائق للبشرية، وحاول صالح الهجوم، وكذا يفعل أصغرهم الأسد بسذاجة.
القادة العرب هم من يتحدث ويقرر ويأمر وقد يفكر لاحقاً.
وحين يأتي الحديث عن الإصلاحات - بما فيها الخطاب السياسي - تبدو لهم الفكرة خيالية، الإصلاحات تعني المزيد من المشاركة، والشراكة عموماً مستحيلة أو كُفْراً بوحدانيتهم، فلا شريك لهم! يأخذ (جون فافريو) وفريقه ساعات فقط لتصور السطور الافتتاحية لكلمة الرئيس أوباما، وفي بعض الأحيان يتجمعون في مكتب صغير، ويضعون جُمَلاً بصوت مسموع، كل كلمة يفكَّر فيها وتناقَش، إلى أن يتصوروا الخطاب كاملاً. وبعد أيام من العمل المتواصل يتم تقديم مسودة الخطاب للرئيس. صحيح أن أوباما هو مصدر الأفكار الرئيسة التي تتضمنها خطاباته، لكن عدداً من الكُتّاب يساعدونه في صياغتها ثم يعود وينقحها.
وخلال الحملة الانتخابية قام (فافريو) ذو السبعة والعشرين عاماً بالمساعدة في كتابة وتحرير بعض الخطابات الأبرز، وهو أصغر شخص يُختار لمهمة رئيس تحرير الخطابات، أو أصغر كاتب خطابات في تاريخ أمريكا بعد جايمس فالوس كاتب خطابات الرئيس جون كيندي.
عمل فافريو لأكثر من سنتين في مكتب أوباما في مجلس الشيوخ قبل أن ينضم إلى حملته الانتخابية، ويُشكِّل فريقاً صنعوا خطابات أوباما التي ألقاها.
وعندما احتاج أوباما في يومه الأول في مجلس الشيوخ لمساعد في كتابة خطاباته أحضر فافريو. سأله: «ما هي نظريتك في كتابة الخطب؟». «الخطاب يوسِّع دائرة الناس الذين يهتمون»، قال فافريو. «ماذا ستقول للإنسان العادي المتألم؟». فرد فافريو: «أنا أسمعك، أنا هنا، حتى وإن كنت محبطاً جداً، وساخراً من السياسة في الماضي، وأنا أدرك أن لديك أسباباً معقولة، لكن الآن نستطيع أن نتحرك بالاتجاه الصحيح، وكل ما نرجوه منحنا فرصة». «أظن أن هذا سينفع»، قال أوباما.
إلى لقاء