بعد فضائح سيول جدة توجَّهت الأنظار إلى ما يجري في هذه المحافظة التي تُعَدّ بوابة المملكة؛ فمن مطارها الدولي ومينائها يتدفق ملايين المسلمين لأداء فريضتَيْ الحج والعمرة. ولأنها تقع على ثغر البحر الأحمر اعتُبرت «درة» البحر الأحمر، إلا أن الندوب أخذت تظهر وتتكاثر على وجه المدينة الحبيبة حتى فضحت السيول ما كان مغطَّى عليه، وقُدِّم المتسببون في هذا الفساد إلى جهات التحقيق؛ حيث سينالون جزاءهم. ومن حُسْن حظ جدة، بل حُسْن حظ السعوديين جميعاً، أن تحصل كارثة سيول جدة ولم يمضِ على تعيين الأمير خالد الفيصل وقت طويل أميراً لمنطقة مكة المكرمة، التي تُعَدُّ جدة حاضرتها والمدينة الأكبر فيها. وطبعاً يُعَدُّ ما حصل تحدياً شخصياً للأمير الذي عُرف عنه قبوله التحديات واستعداده لإصلاح الخطأ ومحاسبة مَنْ يرتكبه، لا يجامل ولا يهدأ، ولا يتوقف عن العمل، يباشره بنفسه ويتابعه حتى ينجزه شخصياً. ومثلما كتبنا عما يحصل من تجاوز وفساد في جدة، وأنه يجب التصدي له، وأنه مضرب المثل بعد انكشاف الإهمال والفساد اللذين فضحتهما السيول، يجب الحديث عما يحصل في جدة الآن.. هذه المدينة التي ظُلمت من بعض من لم يُحسن الأمانة وتأدية واجبه، تستيقظ على قول أمير منطقة مكة المكرمة: «إن وقت الركون إلى الراحة والكسل والإهمال انتهى، وإن وقت الجد والفعل والمحاسبة ابتدأ». قول وفعل؛ فالذي يعيش في جدة، أو حتى الذي يبقى فيها بضعة أيام، يرى صورة جديدة من العمل والحرص على أداء العمل في وقته، وحسب ما هو مقدر له، وفي مستوى عال من الجودة. متابعة المشاريع تتم بصورة دقيقة من قِبل إمارة المنطقة والمحافظة والأمانة، وكل الأجهزة المناط بها متابعة تلك المشاريع تعمل وَفْق خطة متفق عليها، ومَنْ يتلكلأ أو يُهمل يشارك في المسؤولية، ويدخل في شبهة الفساد. وضمن هذا الفعل المشاهَد يومياً يتصدر كل مشروع لوحة إلكترونية توضح عدد الأيام المتبقية لإنجازه. إنها لوحة كبيرة يشاهدها كل من يمر بذلك المشروع؛ وبذلك يُصبح شريكاً في مراقبة تنفيذ المشاريع الإنمائية. إنه نموذج جديد تُقدِّمه جدة لمدن المملكة الأخرى التي تعاني تأخير تنفيذ المشاريع؛ ليُقلِّدوا جدة في وضع لوحات تُظهر ما تبقى من أيام على تنفيذ المشاريع، وتفضح أي تأخير. الآن فعلاً (جدة غير)؛ فقد بدأت منذ أن كشفت عن فضائح السيول في تقديم نموذج جديد يتوافق مع مبدأ وإدارة أمير المنطقة، الذي يعتمد على اثواب في شكر المتفوقين، والحزم مع المهملين.. ولن تمر بضع سنين بل بضعة أشهر حتى نجد جدة المدينة التي نحلم بها، وقد عادت فعلاً «درة» للبحر الأحمر.