احتكمتْ إليّ أربع شابات في أمر إحداهن، فسألتهن أن يبدين ما يرين، ولن أتدخّل إلاّ عندما ينهين نقاشهن..
بدأن...
وأصغيتُ إليهن يتحادثن..
قالت أولاهن: قيل: « كما تدين تدان «.., وأيضا قالوا « تحصد ما تزرع «...
قالت شابة أخرى: وإنْ زرع ما ليس صالحاً تفسد الشجرة، وربما لا تنمو، أجابتها قرينتها: وإنْ رفض عون محتاج إليه، لن يجد من يعينه عند حاجته..
قفزت الثالثة وقالت: أمي تقول: من اجتهد وجد، فكل فعل له نتائجه..
مضت الثلاث يتحاورن حول الفعل ونتائجه..
ثم ختمت الأولى وهي تميل نحو صديقتها بقولها: نخلص من كل ذلك إلى أنك متى زرعت في بستان أمك حناناً، وبرّاً، وإحساساً جميلاً، فإنك سوف تجدينه سعادة في حاضرك ورضاءً من ربك وأجراً في آخرتك.., ومتى ظللت على هذا الجفاء معها فلسوف تحصدين، وتجدين نتائج خاسرة تماماً في حاضرك، وخاتمتك...
هذه أمك، أتفهمين ما يعني هذا..؟ إنها جنّتك ونارك..
يعني هي ما تدانين به، وما تحصدينه، وما تجدينه.. بما تدينين وبما تزرعين وبما تجدِّين...
لم أشأ أن أتدخّل في حوارهن لأنني كنت في منتهى السعادة بهن، بنضجهن، بوعيهن، بحججهن، بفهمهن عن الزرع المثمر، والدين المثاب، والاجتهاد المنتج..
ثقافة وعي، ووعي مثمر.. ليس فقط في حوار شابات في العقد الثاني من سني أعمارهن الغضّة، بل في درس خصبة محصلته، ملموسة أهدافه، بالغة غاياته، بلاشك تلقّته هؤلاء في معيّة والدين، اجتهدا فأثمرا, وزرعا فحصدا...
أجمل ما انتهى إليه الحوار، أنّ قرينتهن محور النقاش بكت، وهي تؤيد ما قلنه لها.., لكنها ختمت بقولها: ليت أمي تعلم كم من الآلام تتركها في داخلي، لقسوتها عليّ، لسوء معاملتها لي، لإهمالها الجلوس معي، لاهتمامها بمصالحها، على أنها علّمتني الكثير من القيم، لكن سلبتني الكثير من أدوارها معي وفق ما علّمتني.
أخذتها الحياة والعمل والصويحبات عني.. لكنني سوف أزرع ما وعدت، وأصبر على ما سوف أجتهد، ولها الدين، وليس لي..
لابد أن أردّه لها وليس العكس، هي أمي...
حمدت لهن النتيجة إذ كنت الحَكم الصامت..
وكان قلبي اللاهج لهن بالدعاء...
