وأخيراً.. جاء «الاقتصاد الجديد»، وهو اقتصاد شركات الاتصالات والمعلومات والإنترنت وكل ما يساندها ويساعدها. لم يتوقف علم الاقتصاد أبداً عن التحديث والتطوير ليحافظ على مكانته المرموقة بين العلوم الاجتماعية التي تهتم بالإنسان كمخلوق مختلف ومتميز لا يستقر على حال ولا يتوقف عن التطور عاملاً لدنياه كأنه يعيش أبداً. وهذا هو قدر علم الاقتصاد الذي استطاع أن يتعامل بموضوعية علمية فائقة الذكاء بأن أخضع الإنسان لشرط العقل، وهو شرط مقيِّد في ذاته وإن كان لا يخلو من الشك وإن جنح إلى الغلو في بعض الحالات.
ومصطلح «الاقتصاد الجديد» فيه درجة من التفاعل الإيجابي مع متغيرات العصر وإرهاصات الزمن التي خلقت واقعاً جديداً عكس سعي الإنسان إلى الخروج من نمطية التفكير والعمل وهو يسير في مناكب الأرض سعياً وراء رزقه. تغيير النمط هو بحد ذاته نقلة نوعية تصب في صالح الإنتاجية، وهو مدخل جدِّي لتغيير وتيرة الأداء ومستوى الكفاءة. والمحصلة النهائية أو الخط الأخير هو الكلمة الفصل في تقييم الأداء والحكم على العمل.
إن ديناميكية الفكر الاقتصادي تجسِّد مضمونه كعلم اجتماعي تمكَّن من تجاوز عقبة التعامل مع الإنسان كمخلوق مختلف ومتميز. قد يبدو للبعض أن من الصعب «تعليب» هذا الإنسان في قالب نظري يمكن من خلاله إخضاع تصرفاته أو سلوكه لمعيار علمي يستنبط منه مؤشرات يمكن إرجاعها إلى سلوك المجتمع الكلي. لقد أثبت «الاقتصاد الجديد» أن العلوم الاجتماعية يمكنها أن تؤطِّر وتنظِّر للسلوك الإنساني من خلال رؤية منهجية تجسد الواقع وتخلق منه كياناً علمياً يفضي إلى تغيير في نمط التفكير. لن يكون التغيير على أرض الواقع ممكناً أو مجدياً إن لم يكن مرتكزاً على تغيير في نمط التفكير. البداية يجب أن تكون في العقل قبل أن يمكن للحواس أن تستوعبها وتحولها إلى عمل وحركة. سنوات طويلة تمر على العقل الاقتصادي وهو يتفاعل مع التغيرات العملية يعكف فيها على بلورة منظور علمي يضع تلك التغيرات في إطارها النظري بحيث يحفظ للاقتصاد هيكله ويمكِّنه من ربط قطاعاته المختلفة في بناء كلِّي يستخلص منه مؤشرات لأداء اليوم وتطلعات المستقبل. وهذا هو الأساس الذي يعطي لعلم الاقتصاد هذه الحيوية والأهمية.
*رئيس دار الدراسات الاقتصادية - الرياض