الحياة مليئة بالتمويه والخداع، وسوء الفهم، وسوء التقدير، مما يجعل الفرد يرى الأمور أحيانا على غير حقيقتها، وكم من ظمآن جرى وراء سراب يظنه ماء، والتمويه حيلة معروفة منذ القدم وخاصة في القتال والمعارك، وهو معروف في كائنات خاصة من أشهرها الحرباء التي تتلون.....
..... بلون المكان الذي تعيش فيه حتى يسهل تخفيها عن أعدائها، وهناك كائنات تتخذ أشكالاً تشبه العود أو المسواك، وعندما تكون على الشجرة فمن الصعب اكتشافها، ولكن الكثير من البشر ينظر إلى الأمور بعين خاصة بناء على ما يعرفه من خلال تجاربه وخبرته في الحياة، ومن أجل تختلف المواقف والثقافات في النظر إلى موضوعات معينة، فالغربي قد لا يثور عندما يرى ابنته أو زوجته تحادث شخصاً آخر، وتذهب معه في نزهة أو إلى مطعم، أو إلى دار سينما، لأن الثقافة هناك تقبل مثل هذا الموقف، ولا تعتبره ماساً بالشرف والعرض، ولكن العربي عندما يمر بالموقف نفسه فإن نبضات قلبه ترتفع، وتثور ثائرته، وقد يرتكب جرماً دفاعاً عن عرضه وشرفه بناء على تنشئته والثقافة التي ينتمي إليها، وبناء على هذه الثقافة يفسر العربي ما يصدر من الغير تجاه من يعتبر نفسه مسؤولا عنهن من النساء بأنه معاكسة، وأن وراءه نوايا غير سليمة.
ومن ذلك موقف طريف حدث لصديقي أبوفيصل الذي ولد فاقداً لبصره، وأكمل دراسته حتى أنهى المرحلة الجامعية، ورغم فقد بصره فإن الابتسامة لا تفارق محياه، كان في يوم من الأيام راكباً مع أحد أقاربه للذهاب إلى عرس، ومن المعروف أن الذي يذهب إلى عرس يلبس أحسن ملابسه، ويتهيأ لمقابلة الناس بما يليق بالموقف.. وفي الطريق توقف قريبه أمام سوق ليشتري بعض الأغراض المستعجلة، غادر السيارة، وترك أبا فيصل فيها، وقفت سيارة أخرى بجوارهم تحمل عائلة مكونة من أم وعدد من بناتها، غادر الوالد السيارة إلى المتجر، وكان أبوفيصل مثل عادته يقلب عينيه السلييتين، ويظن من لا يعرف حقيقته أنه مبصر، ويتبع ذلك بابتسامة عريضة، وكان وجهه إلى السيارة التي فيها العائلة، وظل يقلب عينيه ويبتسم، ظنت الأم وبناتها أنه يعاكسهم، فلما حضر الوالد أخبروه بذلك، فغضب وثارت ثائرته، وأخذ يشتم أبا فيصل، ويرفع صوته عليه، وأبو فيصل في حيرة من أمره، ولم ينبس ببنت شفه، ولا يعلم أن الكلام موجه له.. وفي هذه الأثناء جاء قريبه وسمع الصوت، والكلمات النابية من رب العائلة، فتقدم منه وبين له أن الذي أمامه رجل كفيف، ولا يرى من حوله، فما كان من الرجل إلا أن قدم اعتذاره وأسفه.. قبله أبو فيصل وهو يضحك ويقول: ما كنت أظن أنك تعنيني!! وإلا خرجت إليك وأوسعتك ضرباً ولكماً..! فضحك رب الأسرة وغادر المكان.. ظل قريب أبو فيصل يداعبه حول هذا الموقف الطريف، ويقول له: لقد كنت تعاكس الفتيات!!، ولو علمت لقلت لرب العائلة أن هذه عادتك وهذا ديدنك، عندها سوف ينهال عليك ضرباً ولكماً، وقد يلجأ إلى ما في سيارته من عصي ومشاعيب وغيرها من الأسلحة الخفيفة والثقيلة، التي لا تخلو منها في الغالب سيارة من سيارات المواطنين السعوديين، فيضحك أبو فيصل، ويقول لو لم تخبره لأخبرته أنا، فيقول صديقه: ومن يصدقك؟؟!!.
وهذا الموقف يشبه موقفاً آخر لمعلم كان في مدرسة في منطقة بدوية، خرج من المدرسة ورأى تحت بيت من الشعر يقع قريباً من المدرسة خيال شخص ملابسه غامقة، فظن أنه امرأة فأخذ يرسل بعض الحركات والإشارات!! واستجابة لها تحرك ذلك الخيال من بيت الشعر وخرج متجهاً إلى المدرسة.. وعندما اقترب تبين أنه رجل.. فتوقع المعلم الشر، وذهب للمدير وأخبره بما فعل واختفى عن الأنظار، وعندما وصل الرجل نظر حوله فلم يجد الأستاذ وكان يعرفه باسمه.. فدخل على المدير وقال إنه زميله فلان كان يؤشر له!! هل تعلم ماذا يريد؟؟ فقال المدير: إنه يريدك أن تتناول معنا طعام الإفطار فهو على وشك أن يجهز.. فقال القادم: إن زميلكم هذا رجل كريم.. وكثر الله من أمثاله!! ولو علم حقيقته لجاء ومعه بعض الأسلحة التي يحتفظ بها في بيت الشعر، ولأوسع الأستاذ ضرباً ولأعطاه درساً لن ينساه مدى الحياة..!!
(*) أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام
zahrani111@yahoo.com