يمرُّ مجتمعنا بمرحلة نمو وتطوُّر كبير على جميع المستويات الحضارية والعمرانية والعلمية؛ فقد يلحظ الجميع هذا التطوُّر من خلال المشاهدات على أرض الواقع في مختلف مدن المملكة.
وما نحن بصدده في هذا المقال هو الثقافة المغيَّبة عند بعض أفراد مجتمعنا، كثقافة الشكر والثناء، والابتسامة، والاعتذار، والاعتراف بالخطأ؛ لأن هذه الممارسة مغيَّبة وليست من ضمن القيم والمعايير التي نُكرِّسها عند تنشئتنا وتربيتنا لأطفالنا في المنزل أو في المدرسة؛ فغالباً أولياء الأمور في المنازل لا يحبذون تعليم أبنائهم بعض المكتسبات أو العادات الجميلة التي يجب أن يتعودوا عليها منذ الصغر؛ لتصبح تلك العادات سلوكاً يتمثلونه في حياتهم اليومية في البيت وفي المدرسة وفي الشارع وفي المسجد.. إلخ، كما أن مدارسنا تقع عليها مسؤولية كبيرة تتمثل في إكساب الطلاب والطالبات عادات قد تكون مغيَّبة عنهم في المنزل، يدربونهم عليها؛ لتصبح أيضاً سلوكاً من سلوكياتهم اليومية، هذه العادات الجميلة لو حاولنا إكسابها لأبنائنا وبناتنا منذ نعومة أظفارهم لتغيرت لديهم مفاهيم كثيرة، ولأصبح لدينا أفراد يتمتعون بثقافة عالية في هذا الجانب.
فالشكر والثناء خصلتان جميلتان؛ فبالشكر تدوم النعم، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، والإنسان ملزم بشكر ربه على نعمه أولاً، ومن ثَمَّ شكر الناس، فثقافة الشكر والثناء تجدها غائبة عن أغلب اللسنة الناس؛ فلو أسدى إليك أحد معروفاً أو شفاعة لدى أحد الميسورين فإن القليل الذي يذهب ويهاتف ذاك الشخص الذي شفع له ويشكره على جميل صنيعه، بل الشيء المؤسف الذي تجده شائعاً في بعض فئات المجتمع هو عندما تنتهي مصلحته بتحقيق مبتغاه فلا يلتفت إلى من ساعده أو شفع له وإنما ينساه ولا يفكر فيه.
كما أن بعضهم تغيب من قاموسه ثقافة كلمة (شكراً) في أي موقف يحدث له، ففي الدول الغربية تجد أنهم يستخدمونها كثيراً حتى ولو كان الأمر بسيطاً، أما نحن فتجدها ثقيلة على الألسن ولا تخرج إلا في أوقات قليلة.
أما الابتسامة فقد أصبحت شبه مفقودة تماماً بيننا، ولا نستخدمها إلا في أوقات قليلة، ألا يكفينا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «تبسمك في وجه أخيك صدقة»، فأغلب الناس في الأسواق وفي الطرقات وأثناء العمل متجهمون وعابسون بسبب أو من دون سبب، حتى في منازلهم وبين أطفالهم يحرمون أنفسهم من الابتسامة، ويبدأ الأطفال يتقمصون شخصية آبائهم ويقلدونهم، وتكون نشأتهم على هذه الحال من العبوس والتجهم.
لماذا لا نعوِّد أنفسنا على الابتسامة أمام الجميع؟ فالابتسامة تبعث الراحة والطمأنينة للآخرين، وهي المفتاح الذي يفتح قلوب الآخرين.
أما ثقافة الاعتذار والاعتراف بالخطأ فحدِّث ولا حرج، فهذه مغيَّبة في مجتمعنا، خاصة لدى بعض المسؤولين، سواء في القطاعين العام أو الخاص، فنادراً ما نجد أن أحد المسؤولين يخرج بعد كارثة أو خطأ فادح وقع ويعترف بأنه هو السبب فيما حدث، ويعتذر للجميع أمام شاشات التلفاز أو في الصحف اليومية، هذا على المستوى الرسمي، أما على المستوى الفردي فمن النادر أيضاً أن تجد أشخاصاً يعتذرون عما بدر منهم ويعترفون بأخطائهم أمام الجميع، بل على العكس كلٌ يتمسك برأيه حتى وإن كان يعرف أنه على خطأ، ولا يستطيع التنازل عمّا بدر منه؛ لأنه يرى في ذلك ضعفاً لا قوة منه، وهذا في ظني هو الخطأ الأكبر الذي يجعلنا دائماً لا نعترف بأخطائنا ونتحمل مسؤولية ما يحدث من أخطاء، ولا نستطيع أن نصحح أخطاءنا إلا إذا اعترفنا بخطئنا، وتقبلنا النقد بصدر رحب؛ حتى نستطيع أن نكون في المسار الصحيح.
وغياب هذه الثقافة عنا ربما يعود بسبب ثقافتنا التي اكتسبناها من قبل ونحن صغار من خلال التربية الشديدة والصارمة من قِبل آبائنا، التي كانت لأسباب خارجة عن إرادتهم من ضعف في التعليم ومن معاناة وشظف عيش وعدم استقرار وظيفي وغيرها من العوامل التي أجبرتهم على أن تكون شخصياتهم شديدة في التعامل.
ولكن نحن الآن يجب علينا أن نوجد هذه الثقافة في نفوس أبنائنا، ونغرسها فيهم منذ صغرهم، فيتعلمون الثناء والشكر؛ لأن العلم في الصغر كالنقش على الحجر، وكذلك الابتسامة والاعتذار والاعتراف بالخطأ؛ حتى تكون ثقتهم بأنفسهم كبيرة، ويصبحوا من رواد هذه الثقافة الجميلة.
ختاماً، تقع هذه السلوكيات والممارسات في صميم ديننا الإسلامي، وهي أيضاً من قيم ومؤشرات التحضر والمدنية، فهل مثل هذه الممارسات يجب أن تصاغ كمشروع أم أنها مهمة وواجب الأسرة في الأصل؟