لقد ارتبط اسم الذئب -حسب المفهوم العربي- بالتوحش من ناحية وبالاعتزاز والفخر من ناحية أخرى، فعندما يرتكب أحد المجرمين جريمة شنعاء ويقوم من خلالها بعمل غادر ومهين ومخز يطلق عليه العرب مسمى ذئب بشري.. وعندما يتحدثون عن قوة الشكيمة والشجاعة ومواجهة المواقف الصعبة والتعامل معها بالحزم والحسم والغنيمة بالمكاسب، يتم وصف الرجل الذي تتوفر فيه تلك الصفات بالذئب البشري!! أي أن بني يعرب يطلقون صفتين متضادتين على شخصية الذئب، فتارة يلصقونها بالنذالة والخساسة والحقارة والدناءة، وتارة أخرى يربطونها بالمرجلة والشجاعة والإقدام، وإمعاناً من العرب في تعظيم الذئب فقد أسموا أبناءهم عليه مثنى وثلاث ورباع، ومع ذلك ما زال الذئب عندهم رمزاً للشر وشعاراً للمجرمين، تناقضات عجيبة تتمحور حول الذئب سلباً وإيجاباً، في حين أن الذئب كأحد مخلوقات الله الحيوانية التي جبلت على ممارسة حياتها الطبيعية بالافتراس، ولها طباعها ونمط حياتها المعتاد الذي خلقت من أجله، ولا ينتقص ذلك من حقها ولا يميزها على بقية خلق الله.. أسوق هذا الحديث تزامنا مع نشر الصحف المحلية لجريمة جدة البشعة التي ارتكبها أحد المجرمين الشاذين بحق 13 طفلة أعمارهن بين 6 و10 سنوات، هذا المجرم لم تردعه إنسانيته ولا دينه، ولا عمره الذي تجاوز الأربعين عاما، ولا حالته الاجتماعية كونه متزوجا ولديه أربع بنات وولدان، ولا وظيفته الرسمية بصفته معلما تربويا يعول عليه في تربية وتعليم النشء، كل هذه المعطيات لم تردعه عن جريمته النكراء، في ترويع الآمنين وخطف الطفلات وهتك أعراضهن، وانتهاك البراءة الطفولية النقية التي لم تدنس إلا بسلوكيات ذلك المجرم الذي أسمته الصحافة ذئب جدة البشري، وأنا أسميه خنزير جدة وليس ذئب جدة، فالذئب لديه بعض الجوانب المضيئة -كما يراه العرب- أما الخنزير فليس له إلا جوانب مظلمة من العفانة والنتانة والرداءة وكله شر مستطير، وبالتالي فهو أولى بوصفه رديفا لمجرم جدة الذي تحلى بصفات الخنازير.. بقي أن أقول إن الجهات الأمنية المعنية بالقضية بذلت قصارى جهدها في البحث والتحري، حتى أسقطت ذلك المجرم وقبضت عليه وقدمته للعدالة، وهذا عمل جليل وجهد وطني مقدر لأولئك الرجال الأبطال، ولكن كنت أتمنى من الجهاز الأمني الموقر أنه قام بجهد توعوي وتحذيري منذ وقوع الجريمة الأولى، للوقاية من تزايد واستمرار المجرم في غيه ووحشيته، وذلك بالإعلان عنه في أول جريمارتكبها قبل ثلاث سنوات، عبر التلفاز والصحافة والإذاعة، لتحذير الناس من شره وحثهم على الانتباه لفلذات أكبادهم، وتوعية الأطفال أنفسهم بعدم الانسياق لأي شخص غير معروف حتى لو أدعى معرفته بالوالدين أو تحلى بسلوك الحمل الوديع، والإعلان المقصود ليس التشهير بأحد، وإنما التحذير من جريمة منظمة لخطف الطفلات في مدينة جدة، حتى يتنبه الناس الذين لم تطالهم الجريمة، أما أن يصمت الجهاز الأمني عن التوعية والتحذير لمدة ثلاث سنوات، والمجرم يتسكع ويعربد في الشوارع والمراكز التجارية والاستراحات ويرتكب جرائمه بنفس الأسلوب حتى بلغت ثلاث عشرة جريمة، فهذا غير مقبول إطلاقاً استناداً إلى مبدأ منع الجريمة قبل حدوثها، والآن حدث ما حدث وتم إلقاء القبض على الخنزير، وقدم للعدالة التي سوف تأخذ إجراءاتها القانونية والقضائية للحكم عليه بما يستحق شرعا، وحتى تتحقق العدالة وننتصر لطفلاتنا البريئات، فإنني أرجو ألا ندخل في تبريرات الأمراض النفسية والاضطرابات العقلية وفقدان الأهلية، تلك التبريرات الجاهزة التي قد تؤثر بالتقليل من حجم الجريمة وبالتالي تغير من مجرى العدالة إلى تخفيف الحكم، نرجو أن يعامل ذلك المجرم معاملة المفسدين في الأرض، فما قام به من عمل خسيس هو من أشنع أنواع الفساد في الأرض، ويستحق عليه تطبيق حد الحرابة وعلى مرأى من الناس، هذا هو الحكم العادل والمطلب الضروري - من وجهة نظري - تجاه ذلك المجرم، الذي تخلى عن دينه وإنسانيته وتجرد من كل معاني القيم والأخلاق والرجولة، هذا الحكم إذا صدر سيثلج قلوبنا جميعا، وسيردع المجرمين الآخرين الذين قد تسول لهم أنفسهم القيام بمثل ذلك العمل الحقير.
Jarman4444@yahoo.com