في محاورة ممتعة وصريحة بينه وبين مدير جامعة اليمامة سابقاً الدكتور أحمد العيسى، قدم المحاور الذكي خالد الباتلي لضيفه بهذه الجملة: الدكتور أحمد العيسى لا يعمر كثيراً في منصب لأنه صاحب رأي حر ومستقل (صحيفة الحياة ص 27، 12 رجب 1432هـ).
لا أظن الدكتور أحمد العيسى ولا أحداً ممن يقدرون مفاهيمه الفكرية والإدارية سوف يقرأ هذا الاستهلال دون شعور غامر بالفرح لهذه الجملة الصادقة الذكية المنصفة. كذلك لا أظن أن أحداً ممن ارتاب في فكر الرجل وتخوف من طموحاته التطويرية بجامعة اليمامة سوف يقرأ ذلك الاستهلال دون الشعور بمغص في الأمعاء وضيق في الصدر. قبل أن تذهب بكم الظنون إلى تخيل رابطة ما بيني وبين الدكتور العيسى كونوا على يقين بأنني لا أعرفه معرفة شخصية ولم أقابله أو أتحدث معه حتى اليوم ولو لمرة واحدة، وأن كل ما عندي عنه هو ما تختزنه الذاكرة من قراءات أفكار كتبها وما يذكره به المنصفون عندما يتحدثون عن سنواته في الإدارة. كتعليق عابر وأخير على تلك المقابلة أود فقط وبكل تواضع أن أقول إن الدكتور العيسى يستحق التقدير والعرفان كنموذج متميز للإدارة الطموحة الرافضة للنفاق والتدجين، وأن الصحفي اللامع خالد الباتلي يستحق الشكر على اختياره للشخصيات وعلى ذكائه في مخاطبة العقول وتجاوزه للأنماط المعتادة في المقابلات الشخصية، الرسمية منها وغير الرسمية.
الآن أنتقل بكم إلى موضوع هذه المقالة وكون الإداري الناجح عندنا لا يعمر كثيراً في منصب. الساحات الإدارية في مملكتنا الحبيبة تعج وتفيض بالوجوه الإدارية المعمرة التي تمر عليها الحقب والأزمنة بدون تدوير. إذا نظرنا خلف تلك الوجوه، أي خلف الكواليس وفي مجالات إنجازاتها التطويرية سوف يصعب علينا بكل صراحة أن نجد شيئاً ملموساً غير القدرات العبقرية في المحافظة على الأوضاع كما هي. سوف يشذ عن هذه القاعدة نفر قليل من الإداريين الذين استطاعوا البقاء لفترات معقولة (ليست دائماً طويلة) على منصة المسؤولية ثم عبروا إلى عوالم الاحترام والتقدير والرضا عن النفس أو اختارهم الله إلى جواره. من هؤلاء القلائل (مثالاً لا حصراً) الأمير مساعد بن عبدالرحمن وعبدالله الطريقي وحسن آل الشيخ وحسن نصيف وإبراهيم الحجي ويوسف الهاجري وغازي القصيبي وفيصل الحجيلان ومنصور التركي، رحم الله من توفاه منهم وأطال في عمر الباقين. الميزة الجامعة في أولئك النفر القليل ممن ذكرت أسماءهم كان إحداث النقلة النوعية أو على الأقل المحاولات العنيدة لإحداثها رغم العقبات الاجتماعية المحافظة والبيروقراطية المتبلدة.
لدينا، بدون لف أو دوران، وزراء ووكلاء ومدراء وأصحاب معالي وسعادة وعمادة تبوؤا أو بوؤا مناصب مسؤولية عالية منذ عقود واستطاعوا بكل مهارة ومثابرة المحافظة على العهدة وإبقائها على حالها في نفس الزمان والمكان وبدون لمسات تطويرية تذكر. يلاحظ على هؤلاء قلة الحديث إلى وسائل الإعلام عن خططهم المستقبلية لأنهم مهتمون جداً جداًً بالحاضر، أو ربما لأن ليس عندهم في مجال المستقبل شيئاً يستحق الذكر.
مثل هؤلاء يعمرون طويلاً في المناصب، أما أمثال مدير جامعة اليمامة السابق الدكتور أحمد العيسى فلا. لماذا؟، اقرؤوا مقابلة خالد الباتلي مع الدكتور أحمد العيسى وتعرفون.