الخلافات التي تثير القلق بين أهل الكويت وصلت إلى درجة حرجة وإلى ما يمكن اعتباره تجاوزاً للخط الأحمر. إن دولة الكويت تتميز عن باقي دول المنطقة بل وربما عن دول العالم أجمع بوجود أقدم برلمان محلي الذي أخذ طابع الديوانية، فمنذ أن عُرفت الكويت وظهرت للوجود بعد هجرة القبائل للشمال والاستيطان في شمال الخليج العربي مع من كانوا قبلهم قد اتخذوا المكان مقراً لإقامتهم مستفيدين من خيرات البحر، وموقع الكويت الرابط لطرق القوافل. ولأن أهل الكويت من القدم أسسوا علاقاتهم على التوافق والتفاهم، فقد كانت مجالسهم في الأماسي برلمانات مصغرة لبحث ما يهم أهل البلد، وهكذا كانت (الديوانية) أول برلمان في المنطقة، ديمقراطية البدو، وديمقراطية أهل البحر يتدارسون شؤونهم وشؤون الوطن. وتعقد في الديوانيات التحالفات وتبرم التفاهمات، ولذلك فإن أهل الكويت كثيراً ما يتجاوزون ما يعترضهم من إشكالات بالتفاهم وتجاوز كل المخاطر.
الآن لا يمكن إخفاء الخلافات بين أهل الكويت، فالخلاف وصل إلى داخل أبناء الأسرة الحاكمة، كما أن هناك من يعمل على تقسيم أهل الكويت إلى بدو وحضر، وإلى عرب وعجم، وإلى سنة وشيعة، بل أبعد من ذلك إلى من كانوا داخل (سور الكويت) ومن كانوا خارجه..!! ما هذا..؟!
هل هذا الذي نتابعه ونسمع به ونقرأ عنه يحدث في دولة الكويت..؟! الدولة التي عُرف عن أهلها التسامح والتعاضد؟
كيف يمكن أن ينجح من أراد تفرقة أبنائها؟ وهل يستطيع المرء أن يفرق العربي عن الأعجمي في الكويت، والسني عن الشيعي وابن السور عن الذي كان أهله يعيش خارجه..؟!
هرطقات ما كان أحد يتصورها أن تحصل في دولة الكويت، ولو أحد قال ذلك قبل عقدين من الزمن، لاتهم بالجنون..!!
ولكن الآن الأمر أصبح حقيقة ولا يمكن تغطيتها بغربال، فمن المسؤول.. ومن الذي فاقم الأزمة..؟!
دون أن نسارع بإلقاء التهم جزافاً، لا يمكن أن نغفل دور السادة الأعضاء النواب في مجلس الأمة الكويتي الذين تحولوا من ممثلين للشعب الكويتي بأسره إلى ممثلين لطوائف مذهبية وإلى ممثلي قبائل بل بعضهم إذا ما حللت مواقفه وتصريحاته تصنفه معادياً لبلاده الذي احتضنه.
من تلك المواقف والأقوال تشخص ذلك النائب في صف من يقف، مع أهل السور أو خارجه؟ يدافع عن السنة، أو يذود عن الشيعة؟ وأخيراً يريد لأهل الكويت الخير، أم يسعى للشر بإثارة الفتنة، وافتعال الأزمات والعمل على تأزيم العلاقة مع الدولة والأهل؟
jaser@al-jazirah.com.sa