أحياناً يكون النظام القائم والذي أغلبه مستبد، خاصة إذا كانت من منظومة الأنظمة الشمولية، أحياناً يكون ضامناً لتماسك ووحدة الشعب، وأن تكون تلك الحسنة البارزة في تلك الأنظمة التي يحلو للبعض تسميتها بنظام الحكم العدل المستبد. إذ إنَّ تفتت مثل هذه الأنظمة وذوبانها أمام رفض الجماهير، كما حصل في مصر وتونس وليبيا، ويحصل الآن في اليمن وسوريا، يتيح ظهور تيارات واجتهادات، والتي وإن تبعها نسبة لا يُستهان بها من الشعب وبالتالي تمثل تياراً سياسياً وفكرياً، إلا أنها لابد وأن تخلق تنازعات وخلافات قد تُوصل البلد إلى حروب أهلية، والتي تندفع في أحيان كثيرة إلى اقتتال مرير خاصة إذا دخل نفق الطائفية المذهبية، كما هو حاصل في العراق، وما يُخشى أن تقع فيه سوريا وإلى حَدٍّ ما اليمن.
إذن ما هو العلاج لمواجهة مثل هذه الآثار السلبية للتغيرات التي تعدُّ طبيعية، خاصة إذا ما تمادت الأنظمة الشمولية والمستبدة والدكتورية في غيها ولم تواكب التغيرات التي تحيط بها من إصلاحات وتطورات فكرية.
هنا يبرز دور الإنسان المثقف، الإنسان الفاعل الذي يجب أن يكون في محيطنا العربي، إنسان فاعل يتفاعل مع ما يحصل في مجتمعه. ولعل أحد أسباب الفوضى الفكرية والسياسية والاجتماعية التي تشهدها الدول التي شهدت تغيرات (الربيع العربي) هو غياب المثقف العربي وتلكؤه في القيام بدوره الذي يجب أن يفعل وأن ينشط في مثل هذه الظروف ومراحل التغيير. فالملاحظ في مجتمعات التغيير هو غياب دور المثقف الحقيقي في تلك المجتمعات، إذ لم نر لهذا المثقف إسهاماً في ساحة التغيير الاجتماعي والثقافي والاقتصادي، وقد ترك ذلك لمحترفي العمل السياسي التقليديين الذين وإن كانوا في صفوف المعارضة إلا أن عجزهم عن إيجاد البديل أفسح المجال لأصحاب الأفكار المبنية على أسس دينية ومذهبية إقصائية على الاستئثار بنسبة كبيرة من المجتمع، وهذا بدوره سيؤدي إلى إنقسام خطير في البنية الفكرية والاجتماعية والسياسية مما يهدد سلامة الوحدة الوطنية، بعد أن تخلى المثقف العربي عن مسؤوليته في ضبط آلة التغيير تاركاً القوى الانتهازية السياسية والرجعية المتخلفة للحلول محله والقيام بدوره.