منذ أن عُرفَ الفن بكافة أشكاله وتواصيفه، عُرف عنه تناغمه مع رغبات الشعوب وملامسة اهتماماتهم، وربما يسبق التطلُّعات في بعض الأحيان لكنه لا يتخلف عن «إيقاع» العصر، وإلاّ اعتبرناه مولوداً ميتاً، لكن هذا يحدث عندنا فقط.
ومنذ عدة سنوات عَرَف السعوديون الكوميديا السوداء، وتحوّلوا من مستوردين للنكتة إلى مصدّرين لها، ولا أدلّ على ذلك إلاّ ما يحدث اليوم من نكت كلما جدَّ في محيطنا حادث أو حتى للأحداث العربية.
لم يقتصر تداول النكتة بين السعوديين فيما بينهم بل امتدت إلى أرجاء الوطن العربي، حتى إنّ نكتاً تصلني على هاتفي من زملاء في بلدان خليجية وعربية بذات الصيغة المحلية، لكن ما الذي يجعلني أكتب هذا الاستهلال؟
في الدراما السعودية ما زال الوضع (برأيي) مراوحاً في مكانه منذ عشر سنوات، وهو الأمر الذي جعل أغلب المنتجين السعوديين والممثلين للتزاحم على عتبة (الكوميديا) التي امتلأت عن بكرة أبيها، وتعثرت في خطاها أمام مأزق التقليد، والأفكار المكررة وكثير من التهريج والبلاهة واستغفال المشاهدين.
وقلت قبل مرة إنّ المشاهد لم يَعُد ذلك الذي يصطدم بخيار قناة أو قناتين فيشاهدهما مجبراً دون أن تكون لديه الفرصة لمتابعة الآخرين، بل هو اليوم أمام باب كبير مفتوح على مصراعيه لمشاهدة الجيد بعد أن تولّدت لديه الخبرة الكافية بأخذ الجيد وترك الرديء، إنّ المنتجين ما زالوا يفضلون هذه النقطة ويعتقدون بأنّ علينا مشاهدتهم رغم أنوفنا.
ليس صحيحاً أنّ كل إنتاج (سعودي) يصلح للاستهلاك والمشاهدة، بل إنّ العكس صحيح، وأعتقد بأنّ مسلسلات سعودية (كوميدية) بَلَغتْ في سوئها ما لم يبلغه أحد، وأساءت للمشاهدين وللقناة وللمنتج وللفنان وكل شيء حولها، وليس صحيحاً أيضاً أنّ كل ما تعرضه القناة (الرسمية) صالح أيضاً.
لعن، وشتم، وسب، وإساءة لاستخدام المفردات، وعدم التفريق بين مخاطبة مجموعة من الزملاء في الاستراحة وبين مخاطبة الملايين ونكت سمجة واستخفاف بالعقول ومشاهد «مخجلة»، وأظن بأننا اليوم على مسافة شهر ونصف من تكرار هذه المأساة.
أشعر بأنّ البعض قد توقف نموّه «الفكري» حتى أنني قد دُهشت من صور أرسلها أحد الفنانين (الكبار مجازاً) للنسخة الثانية من مسلسله، فاعتقدت بأنه أخطأ وأرسل الجزء الأول لكنني اكتشفت بأنها للجزء الثاني، وهو لم يغيّر في «أمره» شيئاً، ومثله آخرون.
لا ألومه لأنه لم يجد رادعاً ولا محفزاً للبناء، طالما أخذ تعميداً بالملايين لمسلسل لم يخسر فيه أكثر من 20% من قيمة التعميد، وأنا ملزم بما أقول.
السعوديون (شعبٌ) سبقوا الدراما لديهم وستأتيهم مسلسلات رمضان (الكوميدية) متأخرة جداً، ومتأكد تماماً أنّ أغلبها سيصيبكم بالغثيان والاشمئزاز، وسأذكّركم بما كتبت اليوم، فلا شيء يدعو للتفاؤل.
m.alqahtani@al-jazirah.com.sa