لعل الحديث اليوم عن محاربة الفساد، يجوّز لنا الحديث بصراحة وتحديداً عن (الرشوة)، ذلك الداء الذي بلي به بعض الموظفين من ضعاف النفوس، ممن فقدوا الإيمان، الذي لو تمتع به المرء، في كل معاملاته وحياته، فلن يكون ضعيفاً أمام إغراءات المال ليبيع دينه، أو يضيع حقوقاً لآخرين، أو يقبل أن يضع ريالات بدون وجه حق في جيبه، ويضيفها إلى حساباته، ليأكل ويشرب من الحرام، هو وأفراد أسرته، فسلامة العقيدة تضمن للإنسان أن يحيا بسلام وأمان من الوقوع في مزالق الأمور والمعاصي. وكما ورد في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها، وهو مؤمن)، وكم سمعنا من يقول لنا: «ادهن السير يسير». فنقول كيف؟ فيرد: (أها.. يعني مش أمورك بكم قرش)، فنعود لنسأل: ولِمَ ندفع لموظفين عليهم أن يؤدوا واجبهم الوظيفي، وقد وضعوا في مواقعهم، للقيام بمهمة خدمة المواطن، ويتقاضون نظير ما يقومون به من أعمال رواتب من الدولة؟!!، ولا أظن بيننا من يجهل بأن الرشوة من جرائم التعزير، وأن لولي الأمر أن يتخذ من العقاب ما يتناسب لردع كل من تسول له نفسه أكل حقوق الناس بالباطل، وقد تعلمنا من ديننا بأن الرشوة محرمة في الكتاب والسنَّة، والله جلَّ في علاه يقول: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ...}البقرة 188، ورسول الله صلى الله عليه وسلم حذَّر منها بقوله: (لعن الله الراشي والمرتشي والرائش الذي يمشي بينهما)، ولا يجوز لأحدنا بعد هذا الفهم والعلم، أن يبرر لموظف، مهما علا شأنه أو صغُر، بقبول الرشوة بسبب الحاجة للمال لضعف الرواتب، فهذا عذر أقبح من الذنب نفسه، وفتوى جائرة لا تجوز، وقانا الله وإياكم السوء.
faya11@maktoob.com