الرياض - خاص بـ « الجزيرة«:
الحوار الهادف البناء هو مبدأ حضاري يؤلف القلوب، وينشر المحبة والمودة والسلام ويؤمن التقدم والازدهار، لذلك اهتم به الإسلام اهتماماً كبيراً.. واعتبر الحوار بالحسنى من فرائض الدين، وطاعة خالصة لله ورسوله. وقد وضع الإسلام قواعد هذا الحوار الذي فاق كل حوار حضاري حديث.. وتميز عليه بالتقوى والإيمان وأمر المسلمين بالالتزام بآدابه والتمسك بأهدافه في كل زمان ومكان.. ولاشك أن الحوار أساس التعامل بين أفراد المجتمع عموماً، بين الحاكم والمحكوم، بين الوالدين وأبنائهم وبناتهم، بين الزوج وزوجته، وهوالوسيلة المثلى لتحقيق التآلف بين الجميع، والقضاء على أي خلاف أواختلافات، ومتى فقد الحوار البناء فقد التعامل البناء والوصول إلى توافق حول أي موضوع محل النقاش.
ويلحظ المتتبع لمسيرة العلاقات الإنسانية في الآونة الأخيرة أن غالبية المشكلات التي تقع مرجعها إلى انعدام الحوار، أوعدم الالتزام بآدابه في ظل ذلك كيف نصل بالمجتمع - سواء على مستوى العلاقات الفردية أوالجماعية - إلى التزام الحوار مبدأ أساس لتعاملاته ؟ فكيف نرسخ مبدأ الحوار بين الجميع، وأن يحترم كل أحد من الناس الرأي الآخر وألا يصادره ؟ حول ذلك تحدث عدد من الأكاديميين والخبراء.. فماذا قالوا ؟!
ألوان الطيف السعودي
يقول الدكتور عمر بن صالح بن سليمان العُمري أستاذ كرسي الملك عبدالعزيز لدراسات تاريخ المملكة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: إذا كانت المجتمعات العالمية غير الإسلامية تفاخر بالحوار، فإن المجتمعات الإسلامية عامة والمجتمع السعودي خاصة هو الذي ينبغي أن يفاخر بذلك.
والباعث لهذا التفاخر أن الدين الإسلامي هومن دعا للحوار وعززه بالتطبيقات العملية. فالقرآن الكريم مليء بالنماذج والأمثلة للحوار بين مختلف فئات المجتمع في نطاق الأسرة وفي نطاق التعليم وفي نطاق الدعوة وفي نطاق العلاقة بين الراعي والرعية، والمجال لا يتسع لضرب الأمثلة.
ومما يزيد المجتمع السعودي بمختلف أطيافه فخرا أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز جدد في هذا العصر الدعوة للحوار على مختلف المستويات داخل المملكة وخارجها، فرأينا ندوات الحوار في مختلف الموضوعات وفي مختلف مناطق المملكة العربية السعودية، ورأينا ندوات ومؤتمرات الحوار على المستوى العالمي، وعلاوة على ذلك تم تأسيس مركز متخصص للحوار الوطني.
ولعل من أهم عوامل ترسيخ مبدأ الحوار وثقافته أن تشتمل المناهج والمقررات التعليمية مادة مستقلة عن الحوار، أهميته ومبادئه وتطبيقاته.
ونتيجة لذلك بادرت بعض المؤسسات العلمية بانتهاج هذا النهج فرأينا انطلاقة لتأسيس مراكز علمية متخصصة للحوار، مثل مركز الملك عبدالله بن عبد العزيز لحوار الحضارات في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. هذا المركز الذي يؤمل أن يحق كثيرا من الرؤى والتطلعات في الحوار ونشر ثقافته على مختلف السبل داخل وخارج المملكة العربية السعودية. والمؤمل أن تحذوبقية المراكز والجامعات السعودية حذوجامعة الإمام وتبادر إلى تأسيس مراكز مماثلة لنشر ثقافة الجوار في المجتمع.
تقريب وجهات النظر
وتقول الدكتورة ناهدة بنت عطا الله الشمروخ أستاذ الفقه المساعد بجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن: لا يختلف اثنان، ولا يشك عاقل أوحكيم في أهمية الحوار وفعاليته لحل كل المشكلات والاختلافات العالقة بين الطرفين المختلفين ليتوصلا معاً إلى الحقيقة الغائبة عن أذهانهم، والمقصود بالحوار هوالحوار البناء الفعال الذي من خلاله تزال كل ما قد يعلق بالنفس من شكوك وشُبه تؤدي للفرقة والشقاق بين تلك الأطراف، سواء كان الخلاف بين فئات المجتمع أوأفراد الحي الواحد، أوبين الوالدين وأبنائهم، أوبين أفراد الأسرة الواحدة، أوالزوج وزوجته.
فمن خلال الحوار الهادف يمكن معرفة وجهة نظر كل فريق مخالف للآخر ثم محاولة التقريب من وجهات النظر تلك للتوصل إلى حل يرضي كافة المختلفين، ولقد ورد لفظ الحوار في القرآن الكريم في قوله تعالى: {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ}، وبين الله - عز وجل - أهم ضوابط وآداب الحوار والدعوة حيث قال جل جلاله {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.
قال الشيخ السعدي في تفسير هذه الآية: أي ليكن دعاؤك للخلق بالحكمة، أي كل أحد على حسب حاله وفهمه، وقبوله وانقياده، ومن الحكمة: الدعوة بالعلم لا بالجهل، والبداءة بالأهم فالأهم، وبالأقرب إلى الأذهان والفهم، وبما يكون قبوله أتم، وبالرفق واللين، فإن انقاد بالحكمة، وإلا فينتقل معه إلى الدعوة بالموعظة الحسنة، بذكر ما تشتمل عليه الأوامر من المصالح، والنواهي من المضار، فإن كان المدعو يرى أن ما هوعليه حق، أو كان داعية إلى الباطل فيحاول بالتي هي أحسن، وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلاً ونقلاً، انتهى كلامه.
إذاً ينبغي أن يكون الحوار هو منهج حياة بين المختلفين، لذا فقد نهجت القيادة الحكيمة لدينا في هذه البلاد المباركة إلى إقامة اللقاءات الوطنية للحوار الفكري بين كافة فئات المجتمع، والتشجيع عليه من خلال هذه اللقاءات المتكررة ومناقشة الموضوعات المتنوعة فيه ثم العمل الجاد بما تخلص إليه تلك اللقاءات من توصيات ونتائج مثمرة، وهكذا ينبغي أن يكون نهج أفراد الأسرة الواحدة، فيربى الصغير منذ نشأته على احترام رأيه وعدم مصادرته استخفافاً بعقله أوقلة تجربته، بل يشجع على التعبير عن رأيه والحوار مع والديه وإخوته وأساتذته في المدرسة، وهكذا أيضاً ينبغي أن يكون بين أفراد الحي الواحد، فيكون لهم ملتقى شهري مثلاً في مكان عام يتباحثون فيه أهم شؤونهم، ويتفقدون فيه أحوالهم ويصلحون في هذا الملتقى بين المتخاصمين أوالمختلفين في قضية ما عن طريق الحوار وتقريب وجهات النظر.
ولوالتزم كل فرد منا بمحاورة من يخالفه بأدب وتعامل راق، فأظن أنه لن يبقى في نفس أحد ضغينة أوريبة تجاه الآخر، ولسلم للناس دينهم ولساد الود والإخاء بينهم مهما اختلفت مشاربهم وأفكارهم.
آداب الحوار
ويقول الدكتور بدر بن محمد المعيقل « عميد شؤون الطلاب بجامعة الجوف: للحوار آداب جمة ينبغي على كافة الأطراف التحلي بها والالتزام بها حتى لا يتحول كلامهم إلى مراء أوجدال، منها: الإخلاص وحسن النية: لابد من توفر حسن النية وسلامة القصد والإخلاص لله في هذا الحوار، وأن يكون كافة الأطراف على علم تام بموضوع الحوار، وأن يكون لدى كافة أطراف الحوار الاعتراف بالخطأ في حال خالف الصواب، وأن يتواضع ويتأدب كل طرف مع الآخر باختيار الألفاظ المناسبة التي يرتضي المحاور لأن يسمعها من غيره، وأن يحترم كل طرف عقيدة الطرف الآخر ومبادئه وأن يراعي نفسيته، وأن يكون الدافع الرئيسي لدى جميع أطراف الحوار إصابة الحقيقة وأن يكون الوصول الى الصواب والحق، والبعد عن التعصب وأسبابه مع الحرص على الاعتدال حتى ينتهي الحوار، وأن يكون لدى كافة الأطراف قدرة على التعبير، والمرونة في الحوار وعدم التشنج.
إضافة إلى الإصغاء للطرف الآخر والاستفادة من طرحه وكبت جماح النفس عند الرغبة في الجدال , والعرب تقول: رأس الأدب كله الفهم والإصغاء إلى المتكلم , ومن أهم الفوائد التي تستفيدها من هذه النقطة اكتساب صفة الحلم.
ويضيف د. المعيقل فوائد للحوار وهي أن يتم من خلاله تبادل الأفكار بين الناس وتتفاعل فيه الخبرات، ويساعد على تنمية التفكير وصقل شخصية الفرد، ويولد أفكار جديدة، وينشط الذهن، ويساعد على التخلص من الأفكار الخاطئة، ويساعد على الوصول إلى الحقيقة.
وأكد د. المعيقل على ضوابط الحوار والتي تتمثل في تخلي كل من الفريقين عن وجهة نظر مسبقة وإعلانهما الاستعداد لتقبل الحقيقة، والامتناع عن الإيذاء والسخرية أوالبذاءة، والالتزام بالأدلة وتقديمها أثناء المحاورة، وحسن الظن بالطرف الآخر حتى يتوصل إلى الحقيقة، وقبول النتائج التي تم التوصل إليها بالأدلة القاطعة.