فيما مضى كانت لدينا معاناة شديدة مع الأسلوب والأداء البيروقراطي لأننا حبسنا أنفسنا في دائرة ضيقة من الإجراءات، حتى أصبحنا مقيدين بالتأشيرات والتدقيق وسلسلة التواقيع، ومن أجل ذلك أوجدنا قائمة طويلة من الخطوات على الموظف حفظها والتدرب عليها، وضعناها في كتيب أسميناه الدليل الإجرائي, ثم دخلنا في ثقافة جديدة هي توحيد الدليل الإجرائي بين الإدارات المتناظرة داخل القطاع الواحد, وعملنا على إيجاد دليل إجرائي موحد بين القطاعات المتماثلة في وزارتين أو هيئتين، وأوجدنا تخصصات أكاديمية ومؤسسات مهنية للتدريب على الإجراءات وتعلمها ليكون لدينا تقاليد إدارية نورثها لأبنائنا باعتبارها نوعًا من الخبرة والمهنية.. وسط هذه التركيبة المعقدة اكتشفنا ثقافة جديدة هي الإدارة الإلكترونية بدأت باسم الحكومة الإلكترونية ثم أعدنا صياغتها تحت مسمى الإدارة التقنية والتعاملات الفنية لتشمل جميع القطاعات، وبالمقابل العالم من حولنا دخل باكرًا في هذه الثقافة الإدارية ونحن مازلنا نعمل بالنظامين: (العادي والمستعجل) واكتشفنا مع الممارسة أن الإدارة التقنية التي تستخدم أنظمة وبرامج الحاسب أصبحت هي النظام العادي الذي يمر بسلسلة إجراءات طويلة من أجل برمجة المواعيد في حين أن اليدوي أصبح هو المستعجل؛ لأنه يتجاوز مركزية الحاسب ويصل إلى (الطرفية) ويدخل البيانات عبر خاصية دخول كبار المشرفين على الأنظمة وتمرر سريعًا عبر أنظمة الحاسب لتحصل على أول إمكانية بلا مواعيد ولا (تراتيب).
الجهات التي طبقت الإدارة الإلكترونية أو التعاملات التقنية بدأت تفرق بين أسلوبين؛ الأول: التعاملات برسوم وهذه خدمة سريعة لا علاقة لها بالمواعيد، والثاني: خدمة مجانية أو ذات رسوم رمزية وهذه تخضع للمواعيد التي يتجاوز مداها (3) أسابيع. مثال لذلك الخدمة المجانية: استخراج الصكوك والإفراغ وبعض الوكالات والهوية الوطنية ودفتر العائلة وضم الأبناء وتغيير المهن ومعها إجراءات وزارة العمل ووزارة التجارة في فتح المؤسسات والشركات وأيضًا تعاملات المرور والبلديات والمياه والكهرباء وفتح المدارس حتى نصل إلى أشهر المواعيد مواعيد المستشفيات بوزارة الصحة.
حتى إن بعض الجهات الحكومية الحيوية مثل الأحوال المدنية تفتخر أنها أعطت (مليون) موعد منذ باشر هذا النظام الإلكتروني عمله، وبالطبع مواعيد الهوية الوطنية تتجاوز (15) يومًا وإضافة الابن لأبيه كذلك لمدة أسبوعين.. نحن نبني أنظمة ولوائح تعمق البيروقراطية السلبية بدلاً من أن تكون الإدارة التقنية تطويرية نجدها تزيد من دوائر التعقيد الإداري.
إذن المشكلة ليست بالوسيلة والأدوات إنما بالأشخاص والثقافة الإدارية والرغبة في تطوير الذات.