تلك هي القاعدة التي تنتج في المجتمع كثيراً من شخصيات الوعظ المتشدد، وهم أناس سطحيون، فبعد أن أسرفوا بالفجور وغرقوا بالمعاصي كما في حالة المُفحط الشهير والذي لا يملك من أدوات الالتزام إلا لحية وثوب قصير، فهم يتوهمون أنها كافية برأيهم للعودة لممارسة النفاق والمتاجرة بالدين. وهؤلاء ليسوا كفوءاً لممارسة النصح أو الوعظ، فعقولهم لا تسعفهم للوصول لمنزلة شيخ أو واعظ، فتلك القاعدة الواهية يستحيل أن تنطبق على أي ممن يستحق ممارسة الوعظ والإرشاد. فالنضوج الفكري لدى العقلاء ممارسي الوعظ لا يكون نتيجة صدمة أو إحساس فجائي بالذنب، بل هو نتاج تراكمي تجتمع فيه الشخصية السوية ويصقله العلم النقي الخالي من الشبهات والارتجالية. وأذكر أنني طرحت موضوعاً في الجزيرة عدد 12050 حول الفرق بين جهاد الدفع وجهاد الطلب في الإسلام. وكان ضمن المعقبين واعظ كبير هو فضيلة الشيخ (صالح الفوزان) برد جميل يمثل سماحة الإسلام بالحوار والنقاش، لكن الجديد في الموضوع هو استمرار وُعَّاظ الالتزام المفاجئ بإرسال مواعظهم لشخصي الضعيف حتى الآن عبر جلسة عامة لدى صديق عزيز، تنصّ على أن (أتوب وأستغفر مما طرحته حول الجهاد) حين قلت إن جهاد الطلب كان لتحرير الإنسان في السابق من قيود الطغاة على الحرية الدينية. فكان الغرض من الجهاد هو أن لا يقف أحد في طريق الدعوة, أما الآن فلا أحد يفرض ديناً محدداً على أحد، وهذا ما جعل الإسلام ينتشر في كل أرجاء العالم سلمياً.
صالح عبدالله العريني - البدائع