يطلق الأمريكيون لقب «العم توم» على الأمريكي الأسمر عندما يتخلى عن بني جنسه، ويحاول تقليد «البيض» في سلوكه، وأحيانا ينجح المسعى ويصل الأسمر إلى ما يطمح إليه، أما في أحيان كثيرة فإنه يخسر مرتين، إذ يحتقره بنو جنسه ولا يصل إلى ما يريد. من أشهر شخصيات» العم توم» التي حققت ما تصبو إليه، هناك قائد أركان القوات المسلحة ووزير الخارجية الأسبق كولن باول، وهناك القاضي الشهير وعضو المحكمة العليا كليرانس توماس، ولا يمكن أن ننسى وزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس.في البداية، يتخلى الواحد من هؤلاء عن لهجته، ويهجر تجمعات قومه، ويبدأ التقرب من البيض، وحيث إن التجمعات السكنية في أمريكا تكون عادة مفصولة بين الأعراق والطبقات، فإن هؤلاء يحرصون على السكن في أحياء البيض، وأهم من كل هذا هو التزاوج، إذ يتزوج أحدهم من العرق الأبيض. وإمعانا في التقرب، وحيث إن السود في أمريكا ينتمون غالباً إلى الحزب الديمقراطي، فإن انتماء هؤلاء يكون بالطبع إلى الحزب الجمهوري.السيدة كونداليزا رايس أبعدت النجعة ولم تكتف بكل هذا، بل إنها أصبحت أحد أعتى المحافظين الجدد - الحلفاء المفضلون للوبي الصهيوني-، والذين تولوا أكبر المشروعات الأمريكية بعد أحداث سبتمبر، وتبنت مواقفهم بما فيها الحرب على العراق، ويقال إن لها موقفاً معادياً للعرب والمسلمين مع أنها لم تقل ذلك صراحة في يوم من الأيام. بعد أن تخلت رايس عن المنصب أو تخلى عنها، عادت إلى التدريس بالجامعة، وتحديداً جامعة ستانفورد العريقة، وفي أحد أيام شهر مايو 2011، دلفت إلى القاعة المليئة بكل زهو وكبرياء، ولم لا، وهي الوزيرة السابقة. بدأت محاضرتها بالقول إن الناس يسألونها دوماً عن شعورها بعد أن تركت المنصب وعادت إلى الجامعة؟. ثم أضافت بأنني أقول دوماً: «إنني أصحو صباحاً وأقرأ الصحف، ثم أقول لنفسي: هذا شيء ممتع». لم تكد رايس تكمل عبارتها، إلا وقاطعتها طالبة من داخل الصف «عذرا، لكنك نسيت شيئا ما، دعينا نتكلم عن قوة أمريكا، وعن التعذيب الذي مارستموه لانتزاع المعلومات من المتهمين.... أنت مجرمة حرب... ومكانك هو المحكمة لا أمام الطلاب في قاعة دراسية... أنت مسؤولة عن مقتل أكثر من مليون عراقي...»، وحينها ضجت القاعة بالمؤيدين لهذه الطالبة، ولم تستطع رايس الرد، فقد ارتج عليها وقالت للطالبة: «اذهبي إلى الجحيم!».إن موقف هذه الطالبة وزملائها إنساني حتماً، ولكن يجب ألا ننسى أن اظروف الاقتصادية المتردية في أمريكا لها دور في ارتفاع وتيرة الصوت الذي ينادي بإنهاء سيطرة اللوبي الصهيوني على سياسة أمريكا الخارجية، فكثيرون هناك يؤمنون بأن حرب العراق التي أنهكت هذا الاقتصاد تمت لصالح إسرائيل، لا أمريكا!.وليست هذه الطالبة وحدها من ضاق ذرعاً بسيطرة «اللوبي الصهيوني» على سياسة أمريكا وساستها، فقد سبقها عضو الكونجرس السابق عن ولاية أوهايو «جم ترافسنت»، الذي ناصب العداء لهذا اللوبي فحاربوه ولفقوا له التهم حتى تم فصله من الكونجرس وسجنه!. وبعد خروجه من السجن تحدث بالمحظور، وفي قناة فوكس - معقل المحافظين الجدد -، حيث قال علناً ما كان يقال سراً عن سيطرة هذا اللوبي على سياسة أمريكا الخارجية، وعن حربه على أي سياسي أمريكي يقف في طريقه. ففي مقابلته مع شان هونتي - وهو إعلامي من أحقر أنصار المحافظين الجدد وأكثرهم وقاحة - قال كلاماً لم يجرؤ أي سياسي أمريكي على قوله فيما مضى، فقد قال: «إن العرب هاجمونا في عقر دارنا، بسبب موقفنا المنحاز إلى إسرائيل». ولا غرو، فالرجل مجروح في كبريائه وظلم كثيراً بسبب مواقفه المعتدلة، وليس لديه ما يخسره. وفي مقابلة أخرى له قال شيئاً مماثلاً، وعندما قاطعته مذيعة البرنامج قائلة: «هل أنت ضد السامية؟»، رد قائلاً: «أعلم أنك وهم ستقولون ذلك، وأعلم أنهم سيحاربونني، ولكني لم أعد أهتم، فولائي لأمريكا فوق كل اعتبار!».
وختاماً، فإن وتيرة ارتفاع المعارضة لسيطرة «اللوبي الصهيوني» في ارتفاع ملحوظ منذ سنوات، وزادت وتيرتها مع تردي الحالة الاقتصادية مؤخراً، وقد يكون المستقبل مليئاً بالمفاجآت.
فاصلة: أحد الوعاظ - الذي اشتهر بقول المنكر حتى يذكر -، تجاوز كل الحدود مؤخراً، وذلك عندما نسج قصصاً مقززة من خياله المريض عن حالات انحراف لدى أبنائنا. ولم يكتف بهذا، بل إنه فسر هذه القصص المفبركة تبعاً لأمراضه النفسية. نقول من هذا المنبر الحر: «إنه حان الوقت للعقلاء أن يوقفوه عند حده، ويكفوا أذاه عن الناس».
amfarraj@hotmail.com