للمرة الثانية نشاهد مهرجان عنيزة، ونشاهد هذا المجتمع الطموح الثري الذي يبهر كل زائر ويزداد إعجاباً وتقديراً لهذا النسج الجميل المتكامل بين أهل عنيزة في الانتماء والعطاء وإنجار الذات في سبيل خدمة أرضهم ورقي مدينتهم وتقدمها كل منهم يعرف واجبه نحو هذه المدينة العريقة، نرى العطاءات والإنجازات فيها تنشأ فطرياً، والإنسان فيها يشعر بالمتعة من خلال عمله وعطائه وإنجازاته والتواصل مع من حوله من كائنات وأشياء. هذا الترابط الجميل لأهالي عنيزة أعطاها تفرداً وتميزاً في إنجاز الكثير وأعطى الإنسان وعياً خاصاً بنفسه وسياقه الاجتماعي ليجعل مدينته نموذجية بكل ما يقدم.
ولو كل واحد منا شعر بهذه المسؤولية نحو مدينته وتطورها والمحافظة على مكتسباتها لوصلنا إلى الهدف الذي وضعته الدولة للوطن كافة ولتحقق ما يدعو إليه قائد هذا الوطن الغالي وولي عهده الأمين من تقدم لتحقيق الإنجازات؟
هناك الكثير من الخطط التي وضعت لعنيزة نجدها تنفذ ولا تستغرق وقتاً طويلا في كل زيارة تجد الخطة أصبحت مشروعاً قائماً، ويتم ذلك بدعم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم ونائبه صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز.
وبعمل دؤوب من محافظ عنيزة النشط والمتفاعل مع تطوير هذه المدينة المهندس مساعد اليحيى السليم بهذا الدعم الدائم والمساندة المستمرة تطورت المدينة بتفاعل أهلها أيضا؛ حيث هناك لجنة تسمى لجنة أهالي عنيزة يرأسها الأستاذ محمد بن سليمان الصيخان ويعمل معه العديد من أهالي عنيزة الكرام - هناك نشاط دائم على مدار العام بالنسبة للثقافة والترويح والتسويق والعديد من الفعاليات، شهرياً بدعم لجنة التنمية السياحية بالمحافظة أي لديهم روزنامة للمهرجانات يستطيع السائح أو الزائر اختيار التوقيت المحدد لكل فعالية ومهرجان كمهرجان (الغضا) المنتجات العضوية - مهرجان سوق المسوكف مهرجان البيئة، مهرجان الصيف، والتسوق، التمور، العيد، اليوم الوطني، نجدي، الريف، ويزين هذه المهرجانات، مهرجان اليوم الوطني، ومهرجان عنيزة للثقافة الذي يستقطب الخبرات واستثمار الطاقات.
هذا المهرجان تقيمه الجمعية الخيرية الصالحة في عنيزة والتي أصبحت معلماً ومقصداً للزائرين، في مهرجان عنيزة الثاني الذي حمل عنوان (نختلف ولا نفترق) ترك بصمة رائعة عن الحب والانتماء والإيثار لهذا الوطن الحبيب الغالي والمحافظة على مكتسباته.. وكل ذرة تراب فيه سمى مهرجان هذا العام (ثلاثون عاماً.. عطاء ووفاء).
يقال: الوفاء أصبح عملة نادرة في هذا الزمن ولكن مهرجان عنيزة محا هذه المقولة وأبرز الوفاء كله، والوفاء من أهل الوفاء.
فكل زائر لعنيزة أو مستمع لهذا المهرجان عرف لماذا افتتح مركز الشيخ صالح بن صالح منذ ثلاثين عاما ولماذا سمي باسمه، فقط لأنه المعلم الأول لأهالي عنيزة وتتلمذ على يديه العديد من رجالات هذا الوطن فأخلصوا لمعلمهم بعد وفاته واقروا بإنشاء مركز يحمل اسمه، وجاءت الفكرة من أحد تلامذته معالي الشيخ عبدالله العلي النعيم أمين عام الرياض سابقا، هذا التلميذ الوفي اجتمع مع عدد من طلاب الشيخ من أهالي المحافظة ووقع جميعها على وثيقة إنشاء مركز الشيخ صالح بن صالح الاجتماعي وانبثق عنه بعد ذلك مركز الأميرة نورة بنت عبدالرحمن الفيصل الاجتماعي للنساء ثم مركز الشيخ ابن سعدي للدراسات والبحوث ومركز الصالحية للتدريب والتطوير والنشاط الخيري هذه المراكز تضمهم الجمعية الخيرية الصالحية التي أعادت الوهج إلى عنيزة من خلال مهرجانها الذي تقيمه كل عامين، حيث تنفرد هذه الجمعية بنجاحات رائعة من خلال المحاضرات والندوات والحوارات المفتوحة وورش العمل والمعارض الخاصة بإحياء التراث وإبداعات أهل المحافظة التي ترافق كل مهرجان هذا العرس الجميل لعنيزة تبقى مشاهده وفعالياته راسخة عند كل زائر.
افتتح المهرجان تحت رعاية سمو الأميرة نورة بنت محمد آل سعود حرم أمير منطقة القصيم ولها بالفعل دور رائد في دعم المرأة والمشاريع التنموية خاصة في مهرجان عنيزة فهي تحرص على حضور فعالياته يوميا، وبعد انتهاء فعاليات اليوم تدعو ضيفات المهرجان إلى قصرها في بريدة وهناك يدور النقاش حول القضايا المطروحة بتواجد بعض سيدات المجتمع في بريدة، حوار مفتوح ثري مع سموها وضيفاتها تتحول الدعوة إلى صالون ثقافي وعلمي ولا يخلو من قصائد الشعر الجميل.
في مهرجان عنيزة الثالث هذا العام كانت هناك أمسية جميلة للشعر قضايا المرأة في الإعلام بين الحقيقة والمبالغة، المرأة والمنتديات والمراكز الثقافية، الدور والمسؤولية، تجربة بيادر التطوعية في مركز الحوار الوطني، العمل التطوعي ودوره في التنمية.
قضايا المرأة في الإعلام أخذت حيزاً كبيراً من النقاش حول هذا الدور الكبير في المجتمع العربي ككل والمجتمع السعودي بشكل خاص، نوقشت أيضا السلبيات في بعض القنوات الفضائية في عالمنا العربي وتأثيرها على الأجيال وخاصة الإعلانات غير المدروسة وتأثيراتها على المشاهد، وبخاصة الأطفال.
ودار الحديث أيضا حول الإعلام السعودي وحرصه على التطوير والهوية الخاصة به.
توجهنا إلى جمعية عنيزة النسائية، فوجدنا نموذجاً آخر لعطاء المرأة السعودية السيدة فاطمة صالح التركي، توفي زوجها فحولت بيتها الكبير إلى جمعية نسائية لخدمة المجتمع في عنيزة، ولم تكتف بذلك بل فكرت بشيء جديد وهو معمل للفحم النباتي، فكرة رائعة وجديدة أخذت الرخصة لهذا المعمل ونفذته، ويسمى معمل قطرة، لعلك تتساءل أخي القارئ ما ميزة هذا الفحم؟ إن هذا الفحم مصنع من مخلفات مزارع عنيزة، بحيث يتم تدوير المخلفات النباتية للمزارع ويصنع منها الفحم خال من الرصاص طيب الرائحة واشعاله لا يحتاج مواد اشتعال كالبنزين وغيره، يبقى مشتعلا ما يقارب الخمس ساعات، يدار المعمل بأيدي شابات من عنيزة؛ انهن سعيدات بهذا العمل الجديد وبإنتاج فحم مميز، حيث أجريت التجربة مع أنواع أخرى من الفحم المستورد ليتصدرهم الفحم النباتي، يغطي المعمل حاليا عنيزة وما جاورها وتطلعات السيدة فاطمة التركي أن يغطي الانتاج أنحاء المملكة؛ حيث هناك أنواع من الفحم في هذا المعمل، نوع للتدفئة، نوع لشوي اللحم والدجاج، ونوع للبخور، الكل سعيد بما يعمل لأنه يشعر بأن ما يقوم به واجب عليه أمام وطن أعطاه الكثير له ولأبنائه وأحفاده.
وفي النهاية لا يسعني إلا أن أتقدم بوافر الشكر والتقدير إلى رئيس مجلس إدارة الجمعية الخيرية الصالحة معالي الأستاذ عبدالله العلي النعيم وأمين عام الجمعية الأستاذ صالح الغذامي والأستاذ عبدالعزيز الرميح والأستاذ يوسف الحنطي وجميع الأعضاء، ولا ننسى أيضا أن نقدم الشكر للأخوات المبدعات مديرة مركز الأميرة نورة المهندسة ندى النزهة والأخت لولوة الصويان ومنى الأصقه وربى البطحي وإيمان السليم وإلى جميع من ينتسب إلى هذا المركز والجمعية.
وتهنئة على هذا التواصل الثقافي مع المجتمع وعلماء وأدباء وشعراء وأكاديمي المملكة لإبراز دور عنيزة الحضاري والثقافي.