عجب أشد العجب لمقولات عائمة صدرت من بعض العاملين في التعليم؛ فقد قرأت ما قاله رجل محسوب من رجال التعليم، حيث قال (ينبغي إعادة النظر في تدريس اللغة العربية إما بإغلاق بعض أقسامها أو تحديد القبول فيها أو غير ذلك، وعلة هذه الدعوة عند (سعادته) أن في بلادنا ما يصل إلى اثني عشر ألف خريج لغة عربية عاطلين! ولا أدري ما مصدر هذا الرقم؟! ثم كيف تم التوصل إليه؟! وسأفترض صحة هذا الرقم -بحسب زعم مروجيه-، ولكنني سأجيب عليه بجواب واحد لا ثاني له ومصدر جوابي من ما ورد في التحقيق الصحفي الذي عرض فيه ادعاء رجل التعليم، حيث كان يجيب على أسئلة بعض الشباب الذين تقدموا لوزارة التربية بطلب تعيينهم مدرسي لغة عربية في المدارس الحكومية وكان سعادته يعتذر لهم!!!. إن ذلك الرقم (اثنا عشر ألف خريج) -إن صحَّ- هو عدد الذين تقدموا لوزارة التربية للتدريس في المدارس الحكومية خلال خمس عشرة سنة ولم يحالفهم الحظ للقبول لعدد من الأسباب من أهمها ضعف تقاديرهم فأكثرهم يحملون تقدير (مقبول)!!!.
وقد قبل مثل هذا العدد أو أكثر في الخمس عشرة سنة الماضية ممن يحملون تقدير ممتاز وجيد جداً وجيد، وهم الآن مدرسون في المدارس الحكومية. أما (الإثنا عشر ألف) الموجودة ملفات بعضهم لدى وزارة التربية في (الانتظار) فهم موظفون في:
1- المدارس الأهلية.
2- الأجهزة الحكومية على اختلافها إدارة وتحرير وعلاقات عامة وغيرها.
3- موظفون في القطاع الخاص في عدد من الأموال. ولذلك ليس هناك عاطل واحد يا سعادة الأستاذ.. ولكن المشكلة ليست هنا!!
وإنما في نظرتنا للتعليم وأهدافه، فالدول تُقدم التعليم ولا تضمن التوظيف ولا نعرف دولة واحدة تضمن التوظيف والعمل لدارسيها في شتى التخصصات.. وقد حققنا ذلك في جامعاتنا في بعض التخصصات ومنها: كليات العلوم الإدارية وكليات السياحة وكليات الصيدلة وكليات الإعلام... فهذه التخصصات وتخصصات أخرى غيرها ليس للدارسين فيها ضمان للتعين في الوظائف الحكومية وإنما يدرس الشباب فيها وبعد تخرجهم يبحثون عن العمل الحكومي أو الأهلي أو غيرها.. ولربما وجدنا المئات منهم بغير عمل فهل يعقل أن يقال أغلقوها!!!! إن الجامعة للتثقيف لا للتوظيف ونحن بحاجة إلى مبدعين في كل تخصص ومتميزين في كل مجال وكم نتمنى تقدير (ممتاز) في كل قسم من أقسام كليات جامعاتنا؛ وحينما نجد من يحمل تقدير (ممتاز) فسيجد العمل ينتظره قبل تخرجه. وأنا أعرف عدداً من الشباب تسابقت إليهم مجالات العمل قبل تسلمهم وثائق التخرج وأحدهم زميل عمل لمدة عام جاءه عروض من عدد من الجامعات والمؤسسات الحكومية والأهلية. أما اللغة العربية فإن تدريسها واجب ديني ووطني، فإذا لم نعتني بها نحن فمن غيرنا لذلك، وإذا لم نبدع فيها فمن ننتظر يبدع فيها، وإذا لم تدرسها جامعاتنا فممن نطلب ذلك.. ومجالات عمل الخريجين واسعة وكثيرة وليست بالضرورة التدريس في المدارس الحكومية فحسب.. لأنها قبل التفكير في الوظيفة بعد التخرج موهبة وذوق ورسالة شريفة وفخر لنا أن نحملها ونتفانى فيها ونتفوق في دراستها وتدريسها ويجب أن تكون المملكة العربية السعودية رائدة في هذا المجال وهي أهل لذلك بما حباها الله به من إمكانات مادية ومعنوية وما تفخر به من تاريخ مجيد وقيادة حكيمة راشدة.
عضو الجمعية العلمية السعودية للغة العربية