ودَّعت المملكة العربية السعودية عَلَماً من أعلامها، ورجلاً من خيرة رجالاتها، وعالماً موسوعياً من أبرز علمائها تاريخاً وأدباً شعراً ونثراً؛ فلا تكاد تُذكر المحافل الأدبية والاجتماعية إلا ويبرز اسم ذلك العَلَم الرائد متألقاً في آفاق الجزيرة العربية، بل في العالَم العربي.. فهو رائد من أبرز الرواد عِلْماً وثقافة وأدباً، عرفته قبل خمسة وأربعين عاماً عندما زرته في مكتبه في وزارة المواصلات سابقاً، وكان وكيلاً للوزارة، وطلبت منه تبني فتح بعض الخطوط في المنطقة الجنوبية؛ لما يعانيه المواطنون في تلك المناطق من صعوبات.. استقبلني استقبال المسؤول المخلص لوطنه ومواطنيه دون سابق معرفة، ووجَّه في حينه باتخاذ الإجراءات حسب إمكانات الوزارة.
وتعزَّزت العلاقة من خلال إعجابي بشعره وأدبه ونشاطه الكبير في خدمة هذا الوطن الغالي، ومن خلال المؤتمرات والندوات والأمسيات التي عمَّت أرجاء هذا الوطن.
لا تكاد توجد مناسبة وطنية إلا والأستاذ عبدالله بن خميس في مقدمة المشاركين بفعالية واقتدار.
وأضرب لذلك مثلاً: فقد أنشئ (سد وادي جازان) في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز - رحمه الله - وافتتحه الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله -، وكان في ذلك الوقت النائب الثاني وزير الداخلية في 25-1-1391هـ.
وقد شارك مجموعة من الشعراء الكبار، وفي مقدمتهم عبد الله بن خميس ومحمد بن علي السنوسي ومحمد العقيلي، وكان لي شرف المشاركة معهم بقصيدة.
كان الشاعر عبد الله بن خميس يتألق في ذلك الاحتفال الكبير، وكان شعره يتدفق بحماسته ووطنيته ونظراته الثاقبة لاستشراف آفاق المستقبل لهذه البلاد في ظل قادة المملكة العربية السعودية، ومن أبيات قصيدته:
لو كنت من (جازان) في شطآنها
لرغبتُ عن (نجد) ونجدياتها
ويقول:
مــا الشـعر إلا في (عــقليّاتها)
والسـحر إلا في (سـنوسيّاتها)
إن تحتفل هذي البلاد بسدها
فاستبشري بالنجح يا جاراتها
في (بيش) في (صبيا) و(ريم) و(تعشر)
في (عتود) في (بيض) في ليّاتها
وكان لي شرف المشاركة بقصيدة من أبياتها:
أي (سد) به النواصي اشمخرّت
وأذاعت ذكراه في كل نادي
وتباهت به البلاد وغنى
في رباها مغرداً كل شادي
لو رأى (سد مأرب) كيف تُرسى
عاتيات السدود بالأوتاد
لاعتراه من روعة الحسن مَسٌّ
وانزوى في جوانب الإخلاد
وكأن الأيام قد لعبت دوراً
أمالت أكفه (سد) عاد
لكن المرفق المثالي (بجازان)
سيبقى للقادم المرتاد
كان له - رحمه الله - دورٌ بارز في تأسيس نادي الرياض الأدبي؛ فقد سعى مع علامة الجزيرة الشيخ (حمد الجاسر) - رحمه الله - في طلب تأسيس نادي الرياض الأدبي، وجاءت الموافقة من أمير الشباب صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد - رحمه الله - الرئيس العام لرعاية الشباب، وليس سراً أن أكشف عن خطاب كريم تلقيته يحمل توقيعه وتوقيع الشيخ (حمد الجاسر) في 25-4-1395هـ، وأرفق صورة من الخطاب للجريدة توثيقاً لذلك.
وجاء في نص الخطاب:
بعد أن أعلن حضرة صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد رئيس رعاية الشباب عن احتضان الرئاسة للنوادي الأدبية في المملكة وتشجيعها ومساعدتها تقدمنا باسمكم بطلب تأسيس ناد أدبي باسم (نادي الرياض الأدبي) فجاءت الموافقة من سموه، ثم تلاها إشعارنا برصد مبلغ مائتين وخمسين ألف ريال إعانة للنادي.. إلخ.
وطلب إلي في ذلك الخطاب أن أكون عضواً في النادي لمبررات أشاروا إليها في خطابهم، وأن أحضر الاجتماع؛ لكي ينتخب من بين الأعضاء مجلس إدارة.. إلى آخر ما أبدوه من مشاعر كريمة. أقول هذا الكلام لأن كثيراً من شبابنا لا يعرفون جهود الرواد في دفع الحركة الأدبية والثقافية في بلادنا العزيزة من أمثال الشيخ عبد الله بن خميس الذي أمضى عمره في الكتابة والبحث وإثراء المكتبة العربية بدواوينه الشعرية وكتبه التأريخية والجغرافية وإسهاماته في المؤتمرات والندوات والأمسيات في محيط الوطن العربي بما جعله رائداً من أكبر الرواد في المملكة العربية السعودية. وقد أحسن نادي الرياض الأدبي في مبادرته ووفائه بتكريمه هذا العام 1432هـ.
وهكذا كان رحيل الشيخ عبد الله بن خميس - رحمه الله - خسارة كبيرة، ولكنها سُنّة الله تجري على الجميع في آجال محددة. رحم الله فقيدنا الغالي، وأسكنه فسيح جناته.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.