عندما ننظر إلى واقعنا اليوم نجد أن جبهات الهجوم علينا تتزايد ونحن لا نتحرك بالسرعة الكافية، مع هذا أرجو من القارئ الكريم أن لا يظن أنني أنظر إلى المستقبل العربي نظرة قاتمة، كلا إنني على العكس متفائل بالمستقبل العربي، متفائل باليقظة الشاملة في الضمير العربي
العام وما حدث على أرض الكنانة هو منبع اليقظة الشاملة في جسم الشعب العربي، لأن مصر هي القلب النابض لهذه الأمة وكذلك أنا متفائل بالتطلعات العربية اليوم، لأن هذا القلب انتعش بعد ركود فترة من الزمن كذلك متفائل بالإمكانيات المتاحة للأمة العربية مادياً وبشرياً فمهما شابها من فوضى أو سوء استعمال أو إهدار للمال.
ومع هذا التفاؤل إلا أنه يجب الحذر لعدة أسباب فلو كانت هذه الأمة العربية كمية مهملة أو كانت أرضها عاقرا أو عقلها غافلا أو خالية من التطلعات والطموحات لما اهتم بها في العالم أحد، ولما تربص بها عدو ولا أحاطت بها أطماع. ولكن بقدر إمكانياتها هذه الأمة الواسعة وبقدر طموحاتها المشروعة وبقدر ما لها من سابق تاريخ مجيد يثبت قدرتها على النمو والقوة والإبداع، بقدر ما علينا أن نتصور المخاوف التي تثيرها هذه الأمور لدى الآخرين، وما يمكن أن ترتبه هذه المخاوف والتوقعات لديهم من سياسات. ولهذا فإن على المواطن العربي أن لا ينام على حرير من الرضا عن النفس والاطمئنان إلى المستقبل لأننا نعيش في عالم لا تسوده السلوكيات الأخلاقية، ولا قواعد القانون الدولي ولا مبادئ العدالة الإنسانية، نحن نعيش في عالم سيظل زمناً طويلاً تحكمه شريعة الغاب، وذئاب متوحشة.
وإن كانت بعض العلاقات الدولية تبدو أكثر (تشذيبا) مما مضى في حقبة الاستعمار العسكري فهذا مظهر فقط وتنطوي تحته مظلة اللعبة السياسية والخداع وفرض الهيمنة من خلال الفوضى الخلاقة وهي أساليب جديدة لغرض الهيمنة فهذه الفوضى الخلاقة تستعملها في وقتنا الحالي الدول الغربية بما فيهم الولايات المتحدة كأسلوب جديد من أجل الهيمنة وقهر الشعوب فكان الأسلوب القديم الذي هيمن به الغرب على العالم النامي ظاهر للعيان، أما اليوم فأسلحة الفتك بدولة ما أو بمجتمع ما، ليست فقط محصورة بالأسلحة والجيوش، لكن لها أسلحة أخرى ما خفي منها أعظم ابتداء من فساد الذمم والضمائر على مستويات عالمية. إلى تأليب عناصر الفتنة والتخريب بأيد مجهولة خفية. إلى الإيقاع بين الإخوة والجيران. إلى إثارة الحروب المحلية التي يستفيد منها طرف ثالث بعيد، دون أن تتلوث يداه أو لربما أن هناك ثمة حرباً صليبةً شاملة بالمعنى الحديث تشن على العالم العربي والإسلامي وما يحدث في العراق وأفغانستان وباكستان ومن قبل البوسنة والهرسك وحرب الثمان والأربعين التي كانت من نتائجها اغتصاب وتشريد شعب بأكمله وإحلال محله أفاقين وشراذمة أقاموا دولة تسمى إسرائيل. فإنه لا بد إلى التنبيه أن ما تعرض له هذا الشعب وما يمكن أن يكون مقدمة لأشياء أكبر وأخطر في المستقبل القريب خصوصاً أنه لا بد أن يسجل المرء مع الأسف أن كثيرا من دولنا ومجتمعاتنا والتيارات الفكرية لدينا، تقع في بعض هذا الشراك المنصوبة دون أن تراها وخير مثال على ذلك ما حل بالعراق والذي يدار الآن من قبل أناس من أصول إيرانية ينفذون ويحققون مصالح إيران وأصبح العراق يشكل أعظم خطر على العالم العربي خصوصا على دول الخليج من المد الإيراني الصفوي بعد ما كان الدرع الواقي من هذا الخطر الذي تمثل في تصدير الثورة الخمينية الصفوية وكلف العراق ثمان سنوات من الحروب راح فيها الكثير من الضحايا وفي النهاية تركنا العراق الذي استبيحت أرضه وقدم زعماؤه إلى المشانق ونحن نتفرج على ما حل بهذا الشعب وهذه هي مكافأتنا للعراق عندما صد زحف الصفويين وثورتهم الضالة عن أرضنا وبغياب هؤلاء ظهر الصفويون وبدؤوا يثيرون الفتن والفوضى كما حصل في البحرين والكويت لكن المؤمنين سوف يخذلونهم ويردونهم ويدحرون مكرهم.
إن العالم الأجنبي الغربي بما فيه إيران وإسرائيل خصوصا قواه المؤثرة والفاعلة عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، يهمه بوجه عام أن ينشغل العالم العربي بنفسه بصراعاته وخلافاته ومشاكله بشتى أنواعها وأن يمزق نفسه بحيث تتعطل فاعليته تماماً على الأقل، لمدة تتراوح في حساباتهم بين العشرين سنة أو ثلاثين سنة المقبلة.
حسب تقديراتهم للفترة اللازمة، أما لاستنفاذ النفط وأما لأنها دوراً استراتيجياً كسلاح فعال بظهور المصادر البديلة للطاقة ولإجهاد الأمة العربية خلال هذه الفترة بوجه عام. بحيث تكون فترة إرهاق واستنزاف وتمزق وضياع، ولا تكون فترة بناء وتعمير وتنوير ووضع أسس القوة العربية الذاتية لقرون عديدة مقبلة وكذلك هناك قضايا والتي يمكن معالجتها كثيرا وقبل أن نعرج إلى الحدود العربية أو الجبهات التي على الحدود العربية علينا أن نعود إلى الوراء. فقبل ظهور قوة النفط وتعاظمها وقبل إمكانية التضامن العربي عسكرياً كما حدث في حرب رمضان الخالدة أكتوبر وعام 73م المجيدة وما حققه أبناء مصر من النصر على شراذمة القوم وقبل التزام العرب بمساعدة بعضهم البعض بالمال والموارد الإستراتيجية والسلاح, قبل هذا كله وطول ربع قرن كانت الجبهة الوحيدة التي تشغل بال الأمن العربي فضلا عن الحق المسلوب هي جبهة الدولة الصنيعة إسرائيل فالآن ماذا نرى؟! وماذا صنع لنا الغرب الذي يسمي نفسه بالغرب المتحضر فقد صنع الغرب بأن اتسعت جبهة إسرائيل وتفاقم خطرها ثم الآن جبهة الخليج والصراع مع إيران خصوصا بعد سقوط بغداد في أيدي الإيرانيين.
بعد أن سلمت أمريكا هذا البلد هدية إلى إيران وأصبحت السفن الإيرانية والسفن الأجنبية تسبح في مياه الخليج العربي من حين لآخر وأصبح الخليج العربي خليجاً غير آمن ومن الجنوب الغربي باب المندب والبحر الأحمر بوجه عام فقد احتل الإيرانيون جزيرة قبالة باب المندب وأصبح الإيرانيون يقدمون المساعدات والتدريب للحوثيين الذين هم رسل إيران في المنطقة من جنوب الجزيرة العربية، وكذلك جزيرة أخرى في البحر الأحمر بجوار أريتيريا احتلت من قبل إسرائيل ومنها أديرت المؤامرة على السودان الذي انفصل جنوبه عن شماله الآن ونجحت إسرائيل وإيران بشد الطوق على العالم العربي لذا صار على من يفكر في الأمن العربي أن يكرس اهتماماً كبيراً بأمن البحر الأحمر لذا أصبحت الجبهة الإفريقية من المشاكل التي يتعرض لها السودان المطلة على تسع دول إفريقية.
فالجبهات المعرضة زادت وتعددت والتحرشات توالت أو في القليل من إرهاصات هنا وهناك تشير بأن مداخل العالم العربي ومفاتيحه الجغرافية، صارت محل اهتمام واضعي الاستراتيجيات الأجنبية، الأمر الذي يفرض على واضعي الاستراتيجيات العربية أن يضعوا هذه الأمور الأضخم والأوسع في حساباتهم الجديدة بما يلقيه هذا عليهم من أعباء بشرية ومالية ضخمة.
حين نتأمل هذه الجبهات التي انفتحت علينا، وقد ينفتح غيرها نجد أن الأمة العربية بانت في أشد الحاجة إلى نظرية أمن جديدة. وإلى إستراتيجية موحدة شاملة للأمن القومي العربي كافة وأرجو أن يفهم القارئ الكريم عند ما أقول الأمن القومي العربي لا أقصد العنصر العسكري وحده وإنما العنصر العسكري هو جزء واحد فقط من أجزاء كثيرة تتكون منها الإستراتيجية فإستراتيجية الأمن تشمل سياسة الدفاع العسكري وسياسة الاقتصاد، وسياسة التعمير، وسياسات أخرى كثيرة.
ولذلك نفترض الإستراتيجة مثلا أن نفترض وجود حد أدنى في التنسيق السياسي إزاء العالم، وكذلك نفترض الإستراتيجية دراسة مخارج النفط العربي وغيره من الثروات الهامة جداً التي يطغى عليها النفط حاليا كالفوسفات والكبريت بحيث تتنوع هذه المخارج وتتوفر لها البدائل بما يحتاجه ذلك من مشروعات وإستراتيجية تفترض رسم سياسات لملء الفراغات الجغرافية الحدودية للعالم العربي بتعميرها وإسكان الناس منها وإستراتيجية أيضا تفترض ربط أجزاء العالم العربي بشتى أنواع المواصلات ليس بطائرات وحدها لكن بالطرق البرية والسكك الحديدية حتى تترابط شرايين الوطن العربي ترابط ينعكس على صحته في حالات السلم والخطر على السواء وهذا يجرنا إلى مسألة أخرى من تلك المسألة الهجمة الشاملة المتنوعة المصادر والأغراض على الأمة العربية تلك هي الهجمة أو الهجمات من الداخل بعيدا عن فكرة إلقاء اللوم دائماً على الغير وبالتالي إعفاء أنفسنا من المسؤولية إلا أنه لا يجب أن يقودنا إلى السذاجة بحيث تجعلنا ننكر أن ثمة أيد أجنبية ومحلية لها أطماع تتحرك بشتى الوسائل المعقدة لإحداث أنواع من الصراعات الداخلية في وطننا العربي الكبير وإلا فكيف تقبل عقولنا أن نجد في هذه الظروف بالذات جيوشاً عربية تواجه جيوشاً عربية بل أفظع من ذلك أن يوجه حاكم عربي جيشه بجميع أنواع الأسلحة إلى صدور شعبه العارية لقمعهم دون حياء ورحمة وأرضه محتلة من قبل الصهاينة تركهم يمرحون ويردحون على تراب وطنه دون إزعاج منه كيف تقبل عقولنا توالي الفتن بأشكال شتى من حروب أهلية إلى درجات أقل في سلسلة من الأقطار العربية في هذه الظروف نفسها وكيف تستريح ضمائرنا ونحن نرى ما هو أشد هولاً قد يكون كامنا في طريقنا وإن لم يتبين لنا ذلك بعد أن خطط الكيان الصهيوني في التوسع تقوم في الدرجة الأولى على أساس تمزيق الكيان العربي من الداخل والأساليب المؤدية لذلك كثيرة جدا وهم لا يعرفون، وليست بالطبع مباشرة ولها طرق خفية إلى استخدام العرب ضد بعضهم، ولإسرائيل حلفاء أقوياء في هذا المجال في القارات الخمس.
لكن هناك آمال أخرى وأنا أكتب هذا المقال تواردت الأخبار بأنه انتخب أمين عام جديد للجامعة العربية وهو الدكتور نبيل العربي ومشهود لهذا الرجل بانتمائه العربي وحماسه الشديد للمصالح العربية فما حصل في مصر من تغير ما هو إلا عامل مهم يضاف لذلك للنهوض بقضايا ومصالح العرب إلى البروز وإفشال للمخططات التدميرية لمصالح العرب من قبل من لا يريدون لهذه الأمة أن تنهض.
كذلك يجب أن أقف وقفة إعجاب وتقدير للخطة الكبيرة التي اتخذتها المملكة العربية السعودية بتقديم أربعة مليارات دولار كمساعدات لمصر إسهاماً في دعم اقتصادها لتخطي المرحلة الصعبة التي تمر بها وهي خطوة تستحق التقدير لأن ذلك يحقق جملة من الأهداف الإستراتجية وهي ضمان للأمن العربي وتأسيس تعاون عربي بناء بعيداً عن الشعارات، تعاون يقوم على سرعة المبادرة ووقوف الدول العربية إلى جانب بعضها وقت الشدائد حتى تتجاوز أزماتها وفي نفس الوقت تقطع الطريق للتدخل الأجنبي وفرض الإملاءات على القرار مقابل المساعدات والمعونات وذلك ما عانى منه معظم دول العالم العربي في الحقبة الماضية ولا شك أن استقرار مصر وحل مشكلاتها والوقوف إلى جوارها في الانطلاق نحو التنمية والنهضة في عهدها الجديد يصب في استقرار المنطقة العربية فمصر القوية تمثل قوة ضاربة للعالم العربي؛ لذا فإن إقدام المملكة العربية السعودية كدولة محورية وكبرى في المنطقة بدعم الشراكة العربية الإستراتيجية لمصر وهو دعم للأمن العربي وتقويته.
لذا آن للعرب أن يقفوا صفاً واحداً مع جامعتهم العربية وتوحيد أهدافهم وتوجهاتهم للعمل نحو نظرية أمن عربية شاملة تحفظ لهم ديمومتهم وشموخهم..
Twhad-alfozan@yahoo.com