جولة - عبدالله الزهراني
يعد حي الرويس أحد أقدم أحياء جدة الممتد لقرون من الزمان واحتضن في بدايات قيام جدة صيادي الأسماك وعشاق البحر، ولهذا عرف بين سكان جدة بحي البحارة ووصفوه بأنه كاتم أسرارهم.. ويحد هذا الحي العتيق من الغرب كرونيش جدة، أما من الشمال هناك حي الحمراء، وحي البغدادية الغربية جنوباً، وحي الشرفية شرقاً، ويحده، ومن الجنوب طريق الملك عبدالله.
(الرويس) يحتل موقعاً متميزاً على خارطة عروس البحر الأحمر ويتميز بأهمية كبيرة لوجود مواقع حيوية هامة مثل: ميناء جدة الإسلامي، والمنطقة التاريخية، وقربه من الواجهة البحرية ومحطة القطار المركزية (المقترح إنشاؤها) بموقع المطار القديم.
تاريخ (الرويس)
اختلفت الروايات عن تاريخ حي الرويس، فالبعض يرى أن هذا الحي العتيق يعود تاريخه لأكثر من 300 عام، إلا أن أصح الروايات تؤكد أن عمره يمتد إلى أكثر من 150 عاماً، وقد قال الشيخ عاتق البلادي ما نَصُّه: "الرويس" ضاحية من جدة شمالاً على ساحل البحر، ثم اتصلت بجدة وأصبحت أحد أحيائها، له نصيب من معارك وبطولات وملامحم توحيد المملكة العربية السعودية، فقد دارت في هذا الحي عدد من المعارك بين جيش الملك عبدالعزيز وجيش الشريف علي بن الحسين، قبل تسليم مدينة جدة.
عدد من سكان الرويس القدامى الذين التقت بهم الجزيرة خلال جولتها في الحي تحدثوا عن الحي وعن ذكريات الماضي.
في البداية يقول الشيخ علي العلوي: للحي علاقة قوية مع البحر ولنا معه حكايات وقصص كثيرة، فقد كان هذا الحي في السابق يسمي حي البحارة، حيث كانت مراكب وهواري الصيد موجودة بجوار الحي نتعايش معها ليس في البحر فقط بل في جميع الأوقات، وكان هذا الحي الوفي بمثابة خازن أسرار بحارة جدة جميعهم ففيه نجتمع يومياً لنسرد حكاياتنا وقصصنا مع البحر وأهواله ومغامراته ليتناقلها الصغار قبل الكبار وتبقى محفورة في الأذهان وفي طرقات الحي وأزقته.
وتابع العلوي: كانت ومازالت وليالي رمضان باقية في الذاكرة والوجدان، فحي الرويس اليوم يعتبر قلب جدة النابض حي يجمع بين الأصالة والحضارة.. والجميل أن هذا الحي لا يزال متمسكاً ببعض العادات والتقاليد إلا أن بعض هذه العادات قد اندثرت.
من جهته قال العم أبو محمد أحد السكان الأصليين للجزيرة: حي الرويس يعتبر من أوائل أحياء جدة القديمة وشهد أحداثاً كثيرة وكبيرة خلال الأعوام وساهم أهله وقاطنوه في حماية جدة وأهلها من كثير من الأحداث الصعبة، ولكن للأسف ظل على وضعة غير المخطط والمنظم في عدد من أجزائه. وعن ذكريات الحي قال: هناك ذكريات جميلة في هذا الحي، وكنت مع عدد من معارفي وجماعتي نقطن في غرفة واحدة لعدة سنوات، وكل عام يغادرنا أحدهم ولم يبق إلا أنا، وبعد فترة زمنية وفقني الله وتزوجت واشتريت منزلاً في نفس الحي ورزقني الله بأطفال كبروا ولله الحمد وتزوجوا أيضاً في نفس الحي.
الخدمات الأساسية
خلال جولتنا في أجزاء الرويس الشعبي وأزقته التي لوحظ أن الكثير منها مازال ترابياً ولم يصل إليه الإسفلت، كما أن معظم المباني بالمنطقة العشوائية لا تتماشى مع الأسس التخطيطية والمعمارية المعتمدة، وتتوزع الخدمات بصورة عشوائية ولا تخضع لضوابط ومعايير التخطيط العمراني، بالإضافة إلى النقص الحاد في الخدمات، كما أن شبكة الطرق بالمنطقة العشوائية غير مخططة أو منظمة، وتتباين فيها عروض الشوارع؛ وقد لا يسمح بعضها بمرور السيارات، إضافة إلى ذلك فإن البنية التحتية للمنطقة العشوائية دون المستوى المطلوب، ويندر توفير المسطحات الخضراء والمناطق المفتوحة ويتدنى بها مستوى النظافة وصحة البيئة؛ وتعد بيئة الحي مشجعة على تواجد المقيمين المخالفين لنظام الإقامة والعمل بالمملكة.
مطالب واحتياجات
كما التقت الجزيرة بالمواطن سعد الحربي الذي أكد أن الحي تتضاعف معاناة سكانه من مياه الصرف الصحي خلال موسم الأمطار بسبب ارتفاع منسوب المياه عن معدله، حيث تغطي المياه الآسنة مساحات كبيرة مكونة مستنقعات تتسبب في إعاقة السكان وعابري الطرق، معرباً عن استياء عدد من السكان من الوضع المزري الناتج عن الطفح المستمر للمياه الآسنة في ظل عدم تحرك الجهات ذات العلاقة لمعالجة السلبيات التي يعاني منها سكان حي الرويس.
ويلفت الحربي إلى توافد عدد كبير من الأفارقة أو العمال الآسيويين من الوافدين ومخالفي الإقامة الذين استوطنوا بيوت الحي الشعبية المتهالكة ووجدوا في الحي مخبأ لهم يمارسون من خلاله الكثير من المخالفات، بالإضافة إلى مطالبات أخرى بشأن سفلتة الحي في بعض المواقع، مع زيادة جهود الأمانة في رفع المخلفات أولاً بأول.
أما عامر دسوقي وهو مقيم مصري منذ عام ونصف العام في الحي قال عن الخدمات في الحي: "أتمنى وأرجو تعديل وتطوير فوري لشبكة الصرف الصحى وبالوعات الشوارع التي خربت السيارات.. وتمنى دسوقي أن يصل صوته إلى المسؤولين في حي الرويس.
حمود الوادعي أحد الشباب في حي الطائف بالرويس قال: الحي رغم كونه شعبياً إلى أن له طابعاً خاصاً ومميزاً وهو أن أهالي حي الرويس تجدهم متكاتفين في جميع الأحوال.. في الأفراح متكاتفين وفي الأحزان وفي الشدائد أيضاً.
طريق الملك عبدالله
يمر من الحي طريق الملك عبدالله والذي يعتبر السمة البارزة في الحين، حيث يربط بين غرب جدة وشرقها عبر أنفاق وجسور متعددة مما يساعد على انسيابية حركة المركبات في جميع التقاطعات وقد وصلت تكلفته إلى 132 مليون ريال، فيما بلغت تكاليف مشروع تقاطعه مع شارع حائل 39.6 مليون ريال، وكشفت أمانة محافظة جدة مؤخراً عن دراسة تصميمية لتحسين تقاطع طريق الملك عبدالله مع طريقي المدينة الطالع والنازل، لافتة إلى أن الدراسة المبدئية لحل مشكلة التقاطع اقترحت إنشاء جسرين فوق النفق على محوري طريقي المدينة الطالع والنازل، أما النفق فهو بشهادة أهالي الحي وجميع أهل جدة يواجه مشكلة حقيقية مستمرة خلال فترات مواسم الأمطار حيث يكون أول الغارقين في الأمطار.
مشروع التطوير
أمانة جدة أكدت على اهتمامها بمعالجة ظاهرة العشوائيات المنتشرة بمحافظة جدة وفق لائحة تطوير المناطق العشوائية بمنطقة مكة المكرمة وتهدف مشاريع معالجة العشوائيات بشكل عام إلى رفع مستوى المعيشة بهذه الأحياء وتحسين البيئة العمرانية والاقتصادية والاجتماعية بها ودمجها مع باقي أحياء المدينة، كما تهدف عملية التطوير على تحفيز الجانب الاستثماري والتحسين الحضري في رفع المردود الاقتصادي وإدخال الأحياء العشوائية في دائرة السوق الاستثمارية العقارية وتطويرها بمشاركة القطاع الخاص وتوفير حلول عملية لتحسين الأوضاع العمراني والبيئي والاجتماعي والاقتصادي وإيجاد الوسائل الكفيلة للحد من إحداث عشوائيات جديدة أو توسع القائم منها مع تبني مبدأ التنمية المستدامة في وسائل المعالجة.
وكان سمو أمير منطقة مكة المكرمة قد أطلق في عام 2008م، برنامج معالجة وتطوير الأحياء العشوائية بمنطقة مكة المكرمة بالمشاركة مع القطاع الخاص، وكانت منطقة الرويس هي ثاني المناطق العشوائية التي تم البدء في تطويرها، حيث تم تأسيس شراكة بين "شركة جدة للتنمية والتطوير العمراني" و"شركة تحالف الرويس للتطوير العقاري" في عام 2008م، وسميت هذه الشراكة فيما بعد "بشركة الرويس العالمية للتطوير العقاري"، وهي المسؤولة عن تطوير المنطقة حيث تقوم الشركة بإعداد الدراسات المطلوبة ومن ضمنها المسح العقاري، المخطط العام، دراسة السوق والدراسات الاقتصادية والاجتماعية.
ويغطي مشروع منطقة الرويس مساحة 2.121.950 متراً مربعاً في وسط مدينة جدة وسوف تقوم شركة الرويس العالمية للتطوير العقاري بإعداد المخطط الشامل لتطوير منطقة المشروع كجزء من المخطط المحلي لمدينة جدة، وسوف يخضع موقع المشروع للتخطيط والتنمية الشاملة من قبل شركة الرويس وتغطي مسطحات البناء بالمشروع مساحة 8.5 ملايين متر مربع تقريباً، كما يضم موقع المشروع منطقة عشوائية غير مخططة بكثافة سكانية عالية (335) شخصاً بالهكتار وتغطي مساحة 794.4000 متر مربع.
ويهدف المشروع إلى تنمية وتطوير المناطق العشوائية، تطوير منطقة الرويس بشكل متكامل، تأمين وتنفيذ المرافق العامة والبنية التحتية لمنطقة التطوير وارتباطها مع شبكات البنية التحتية بالمدينة، دعم التنمية الاقتصادية ومعالجة المشاكل الاجتماعية والبيئية العمرانية.
ما بين عشوائي ونظامي!
ومن جهة أخرى فإن الحي تم تصنيفه رسمياً بأنه عشوائي وأدرجته الأمانة ضمن خطتها كمشروع ثانٍ لتطوير العشوائيات، إلا أنه في الجهة المقابلة هناك من يرى بأن حي الرويس حي نظامي، ولا ينطبق عليه إدعاء العشوائية، حيث بادر سامي الأزدي أحد قاطني مدافعاً عن الحي بقولة: حي الرويس حي نظامي 100% وقد اكتملت فيه الخدمات منذ عهد بعيد مثل ماء، كهرباء، هاتف، صرف صحي، سفلتة وإنارة، كما اكتملت فيه المرافق الأخرى مركز صحي ورعاية أولية، ودفاع مدني، ومدارس حكومية بنين وبنات، بالإضافة إلى الأماكن الحيوية مساجد (مسجلة ومعتمدة وتابعة لوزارة الشئون الإسلامية). وتابع قوله: هناك مواقع رسمية ومخططات رسمية ومنظمة ومعتمدة من (وزارة الشئون البلدية والقروية) وسفارات وبنوك وشوارع مستقيمة.
أما المواطن صالح الشمراني فقال: إن عشوائية الحي سببها الأمانة التي وقفت ساكنة عن المخالفات التي كانت تتم في السابق ولم تعمل شيئاً طوال الفترة الماضية لمعاقبة المتجاوزين وفتح الشوارع وإزالة البيوت التي زحفت على الشوارع ومن الصعب اليوم أن نعالج كل الأخطاء دفعة واحدة بتسليم الحي للقطاع الخاص ومشروع التطوير، مضيفاً: إن السكان ليسوا ضد التطوير ولكن بتعويضات عادلة.
تعويض السكان
وفي إطار مختلف شكلَّت لجان عمل حكومية ستكون المسؤولة عن تحديد مبالغ التعويض لأصحاب العقارات الواقعة في منطقة التطوير في الفترة المقبلة، وبدء العد التنازلي لتسجيل مبالغ التعويضات الخاصة بملاك المنازل في الحي، وتتزامن الخطوة مع اقتراب الموعد المقرر لإطلاق أعمال إعادة التطوير في ظل تجاوب وتعاون قاطني الحي وملاك العقارات في منطقة التطوير مع مكتب علاقات الملاك، وذلك بحسب ما ذكرته الشركة، حيث أوضحت شركة الرويس أن المرحلة المقبلة ستشهد تشكيل لجان عمل ستكون المسؤولة عن تحديد مبالغ التعويض لأصحاب العقارات الواقعة في منطقة التطوير وفق معايير دقيقة تضمن لهم حقوقهم، واعتماد خيارات التعويض التي يحددها الملاك بالتعاون مع اللجنة المختصة بالتثمين، والتي تتكون من أعضاء ممثلين عن كل من وزارة العدل، وزارة المالية، إمارة منطقة مكة المكرمة، أمانة جدة، ومندوبين من الغرفة التجارية من ذوي الخبرة العقارية والتثمين.
وتشمل خيارات التعويض للملاك إمكانية المساهمة بقيمة العقار المقدر من لجنة التثمين في مشروع التطوير بأسهم عينية، أو الحصول على مبلغ مالي يساوي تلك القيمة المقدرة، أو المشاركة بجزء منه في المشروع واسترداد الجزء الآخر، أو الحصول على سكن بديل ضمن مشروع الإسكان الميسر وذلك وفقاً لقيمة العقار الذي يمتلكه المالك.
وكان نائب رئيس أول تطوير الأعمال والتسويق في شركة الرويس العالمية للتطوير العقاري عبدالله أبو داود قد أوضح أن تقديم التعويضات لملاك العقارات في حي الرويس يتم وفق آلية عادلة وضمن معايير دقيقة ولجان عمل مختصة من أهل الدراية والخبرة ممثلين عن مختلف الجهات الحكومية المعنية بالمشروع. وقال أبو داود إن هذه الآلية لا تكتفي فقط بالعوامل واعتبارات القيمة السوقية بل تمتد إلى مراعاة الجوانب الإنسانية والحالات الاجتماعية الخاصة، مشيراً إلى تخصيص الرويس العالمية لصندوق بقيمة (50) مليون ريال سعودي لأصحاب العقارات ذات القيمة المنخفضة لمساعدتهم في الحصول على مبالغ إضافية تمكنهم من تملك وحدة سكنية ملائمة في مشروع الإسكان البديل.
آلية التعويض
وتتم آلية التعويض وفق التالي، يتم تقدير قيم جميع العقارات المطلوبة للمشروع من قبل لجنة تقدير تعويض العقارات وفق المنصوص عليه في نظام نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة 1424هـ مكونة من عدة جهات من القطاعين الحكومي والخاص (وزارة العدل، وزارة المالية، محافظة جدة، أمانة محافظة جدة، اثنين من ذوي الخبرة، مندوب عن الجهة المستفيدة) تقوم بوضع معايير التقدير وتعويض الملاك، وذلك بالتزامن مع قيام فرق متخصصة بالمسح العقاري، ومن ثم تقدير قيمة جميع الوحدات العقارية من أراض وإنشاءات، ومن معايير التقييم موقع الملكية وتاريخ البناء ونوعية مواد البناء الأساسية المستخدمة في بناء العقار.
أما ملاك العقارات الذين لا توجد لديهم صكوك على عقاراتهم، فسيتاح لهم، تسجيل ما يملكونه من أنقاض، عند الإعلان عن استقبال وثائق التملك. ويتم تحديد مساحة الأنقاض وفق نتائج المسح العقاري الشامل الجاري عمله لكافة العقارات الموجودة داخل منطقة التطوير، ويعوض هؤلاء الملاك وفق الأنظمة والتعليمات الخاصة بذلك. وتقدر قيمة مثل هذه العقارات حسب مواد البناء وتاريخ البناء وجودة البناء، وهي معايير تحددها لجنة تقدير التعويضات المستقلة.