كنت قد أعددت مقالاً بعنوان (الحبل وقاراتها) نشر في هذه الصفحة، ونظراً لاتصال العديد من المهتمين يستفسرون عن بعض الجوانب في المقال المشار إليه آنفاً، ولغير ذلك من الأسباب، فقد استعنت بالله في إيضاح ما يلزم إيضاحه على النحو التالي:
1- التعريف: قال ياقوت الحموي في معجم البلدان: جـ4 صفحة 293:
قارات جمع قارة والقور أيضاً جمع قارة وهي أصاغر الجبال وأعاظم الآكام.
2- الاختلاف مع الشيخ حمد الجاسر - رحمه الله - في تحديد موقع القارات، وقد سبقني إلى ذلك الأستاذ عبد الله بن خميس - عافاه الله - في كتابه (معجم اليمامة) جـ2 صفحة 263 حيث قال: (غير أننا نحب أن نلفت النظر إلى إن (قارات مغرزات) التي قال عنها الأستاذ حمد الجاسر (قارات الحبل) لا تبعد عن (حجر) أكثر من نصف يوم أما هذه فقد ذكر ياقوت أنها تبعد يوماً وليلة).
وليس المستغرب أنّ لا يتوصل الشيخ حمد إلى تحديد موقع قارات الحبل وهو لم يتوصل إلى تحديد الحبل نفسه، وإنما المستغرب ما وقع من بعض الباحثين ومن جاء بعده الذين حددوا الإطار الذي تقع فيه الحبل أو منطقته واتجاهه، بل منهم من اتفق معي على اختياري لقرى الملقا أو قرى عبيد (لاحظ التوافق بين اسم عبيد بن ثعلبة الذي هو أول من سكن الحبل قبل استقرار بني حنيفة في الحجر والاسم الحالي له عند الأهالي «قرى عبيد») والذي يقع عند الإحداثي التالي:
N24 48.650
E046 33.654
فالمستغرب أن يختار هؤلاء الحبل في موقع وقاراته المنسوبة إليه والمضافة إليه في موقع آخر، وهو المغرزات مع ما بين الموقعين من بعد مسافة فما فائدة الإضافة والنسبة إذن، وإني انتهز هذه الفرصة وأهتبلها لأدعو الهيئة العامة للسياحة والآثار إلى استكشاف هذا الموقع لأهميته آثارياً ولوجود العديد من الأساسات والسدود القديمة الحجرية هنالك، في منطقة تمتد إلى الغرب والشمال الغربي من النقطة التي أشرت إلى إحداثيها آنفاً بمسافة تقرب من الكيلو متر، ولم أر من تكلّم عن هذا الموقع من المعاصرين.
الأسباب التي دعت إلى اعتبار أنّ المغرزات قارات الحبل ومناقشتها:
1- النص الوارد في كتاب الهمداني (صفة جزيرة العرب) حيث يقول صفحة 137 (بتحقيق البليهد): (فرع السلي من دون قارات الحبل ومن عن يمين حجر من قصد مطلع الشمس).
وهذا النص الآنف الذِّكر لا يعني بمفهومه ولا منطوقه أنّ قارات الحبل تقع إلى الشمال الشرقي من حجر (المغرزات) والمؤلف يمانٍ فهو يصف القارات من موقعه (جنوب الجزيرة العربية) وفرع السلي (أي أعلى وادي السلي) موقعه دون (أي قبل) قارات الحبل بهذا الاعتبار، وهذا لا يعارض ما اخترت من موقع الحبل أو/ وقاراته.
ولا يتوقع أيضاً من شخص كالهمداني بعيد عن المنطقة أو ليس من أهلها أن يصفها وصف عنوان البريد بدقة متناهية، لذا نكتفي من الهمداني بهذا الوصف للقارات ونشكره على ما أشار إليه من كونها بعد فرع السلي (أعلى السلي).
2- النص الذي أورده ياقوت الحموي في معجم البلدان جزء 3 صفحة 94 نقلاً عن ابن أبي حفصة: (وجدت في كتاب أبي جعفر محمد بن إدريس ابن أبي حفصة في مناهل اليمامة قال فيه: إذا خلصت من حجر تريد البصرة فأول ما تطأ السفح ثم الخربة ثم قارات الحبل ثم بطن السلي ثم طار ثم عيان ثم روضة القطا ثم العرمة وهذي كلها من أرض اليمامة).
وهذا الذي أشار اليه ابن ابي حفصة ليس هو نفس طريق البصرة التجاري فذاك يتجه بعد حجر شمال شرق، أما هذا فهو يتجه شمالاً حيث يمر على الخربة (أبي مخروق) ثم يبدأ بالاتجاه بميل إلى الغرب، حيث يمر على قارات الحبل، ولعل عيان التي أشار إليها تصحيف لغيانة والتي لا تزال معروفة بهذا الاسم قرية قديمة يوجد بها حالياً مزارع وهي قبيل القرينة.
3- بيت الشعر المنسوب إلى الأعشى:
فالسفح يجري فخنزير فبرقته
حتى تدافع منه الوتر فالحبل
وهذا البيت قد روي بوجوه عدة فعلى سبيل المثال:
فالسفح يجري فخنزير فبرقته
حتى تدافع منه السهل والجبل
وفي رواية أخرى:
فالسفح أسفل خنزير فبرقته
حتى تدافع عنه الربو فالجبل
إذن فرواية البيت محتملة وإذا وجد الاحتمال بطل الاستدلال، وعلى الرواية الأولى فإن الاستدلال بها على الحبل وموقعه غير محدد فهو - أي الأعشى - يذكر أنّ الوتر فالحبل تأثرا بهذا السيل، وهذا لا يفهم منه قربهما من بعضهما، أو كون قارات الحبل شرق حجر مركز الرياض أو عند المغرزات.
بعد وسمت القارات مقارنة بحجر: نقل ياقوت الحموي عن أبي عبيدة معمر بن المثنى جـ2 صفحة 214: (خرجت بنو حنيفة بن لجيم ابن صعب ابن علي ابن بكر ابن وائل يتتبعون الريف ويرتادون الكلأ حتى قاربوا اليمامة على السمت التي كانت عبد القيس سلكته لما قدمت البحرين، فخرج عبيد بن ثعلبة ابن يربوع ابن ثعلبة ابن الدؤل ابن حنيفة منتزعاً بأهله وماله يتتبع مواقع القطر، حتى هجم على اليمامة فنزل موضعاً يقال له قارات الحبل وهو من حجر على يوم وليلة ...).
ولكن البكري حين ساق هذه الرواية في «معجم ما استعجم جـ1 صفحة 83» ذكر بدلاً من يوم وليلة ليلة، ويؤيد أن صحة الرواية ليلة ما عند نصر الاسكندري في كتاب «الأمكنة جـ 2 صفحة 317» في كلامه على قارات: وبالقاف والتاء التي فوقها نقطتان موضع على ليلة من حجر.
ويؤيد ذلك كذلك وصف صاحب كتاب بلاد العرب صفحة 327: (ثم تخرج منه (أي من الحبل) فترد قف وهي أرض خشنة ظاهرة حتى تأخذ بين بنبان والعرض)، أقول: وهذا الموقع الذي بين بنبان والعرض وبعد الحبل بمسافة لا يصل إلى مسافة اليوم والليلة فكيف بالحبل وقاراتها نفسها التي هي من دونها بكثير.
إذن فالصحيح أن المسافة بين حجر والحبل هي ليلة لا ما أشار إليه ياقوت يوم وليلة.
أما السمت فقد أشار ياقوت في النص الذي سبق إيراده، إلى خروج بني حنيفة واستيطانهم الحبل (معجم البلدان الجزء الثاني صفحة 214)، حيث أشار إلى أن بني حنيفة ساروا على السمت (أي الطريق) الذي سلكته بنو عبد القيس لما قدمت البحرين، ومعلوم أن بني عبد القيس خرجوا من تهامة غرب الجزيرة العربية واتجهوا إلى البحرين شرق الجزيرة ومعهم بني حنيفة إلاّ أن بني حنيفة استقروا بداية في الحبل ثم حجر أي أنهم، كما يفهم من نص أبي عبيدة، أتوا إلى حجر من الجهة الغربية حيث موقع قاراتنا وحبلها، وهذا ينفي نظرية أن قارات الحبل هي المغرزات شمال شرق الرياض.
) آثار من موقع الحبل (قرى الملقا أو قرى عبيد) شمال غرب الرياض.
) الحبل ويلاحظ لقربه القارات (قارات الحبل)
عبد الله عبد الرحمن الضراب