ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على جبل يُقال له: جمدان, فقال: سيروا هذا جمدان, سبق المفرِدون. قالوا ومن المفردون يا رسول الله؟ قال الذاكرون الله كثيراً والذاكرات.
وقصة الحديث أنه بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ركب إذ سبق بعض الركب وتخلَّف بعضهم؛ فنبه النبي صلى الله عليه وسلم على أن السابقين على الحقيقة هم الذين يديمون ذكر الله - عز وجل - ويولعون به حتى لا يكاد يفارقهم.
لقد استفاد النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذا الموقف في تحريك نفوس أصحابه - رضوان الله عليهم - الذين يتطلعون لمعالي الأمور، وهم يعلمون أن المسابقة والسبق في مفهوم عالي الهمة تعني المسابقة إلى جنة عرضها السماوات والأرض، كما جاء في كتاب الله الكريم: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ}.
إن ذكر الله من أجل العبادات وأيسرها، فكلمات قليلة المبنى عظيمة المعنى تقود إلى كثير من الأجور والحسنات.
ولهذا لما وصف الله عباده بجملة من الصفات فقال {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ...} حتى وصفهم فقال {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} (الأحزاب - 35).
والذكر من أحب الكلام إلى الله، قال صلى الله عليه وسلم: «أحب الكلام إلى الله أربع، لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» (رواه مسلم).
وذِكْر الله تعالى مع هذه الأجور الكبيرة متاح للمسلم والمسلمة في كل حين؛ لهذا ثبت فيما رواه مسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه».
وكأني به صلى الله عليه وسلم يتمثل قول ربه سبحانه {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ}.
فعلى المسلم الحريص الخيّر الالتزام بذكر الله تعالى على جميع أحواله؛ فالعمل يسير، والأجر كبير؛ ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كلمتان خفيفتان على اللسان حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم».
* المدير التنفيذي لموقع شبكة السنة النبوية وعلومها