مشروع نطاقات الذي أصبح حديث الشارع يُعد خطوة مهمة في ما تقوم به وزارة العمل من أجل إيجاد بيئة مناسبة لاستقطاب السعوديين حيث اعتمد ألوان إشارة المرور، حيث على كل منشأة أن تعرف بأنّ مسيرة مركبة عملها لن تتحرك إلاّ من خلال ما تحققه من سعودة أو توطين للوظائف لديها، وإلا ستجد نفسها مشلولة الحركة ولا معنى لكل ما تحمله الآلة التي تملكها من قوة فوقود الحركة يكمن في نسب السعودة.
وإذا كانت هذه التعابير هي استعارات مكنية كما يصنّفها أهل علم اللغة العربية، إلاّ أنها قد تعطي توصيفًا بسيطاً لطبيعة عمل نطاقات، إلاّ أنّ الأهم في كل المشروع ليس فقط ما سيحققه من نسب توظيف وتقليص لأحجام البطالة لدينا بل بقدر ما سيضيفه لخبرات وإمكانيات الشباب السعودي، فالمسألة اليوم لا تقف عند حدود فتح الفرص الوظيفية لهم بقدر ما يكون لهذه الفرص من آفاق واسعة تسمح لهم بتحقيق طموحاتهم.
وقد يكون المشروع يقدم فكرة جديدة وطريقة ملائمة لحل استقطاب الشباب السعودي من قبل منشآت القطاع الخاص، إلا أنه بنفس الوقت يفتح الباب أمام إضافة عاطلين جدد فالمنشآت الصغيرة قد لا تستطيع تحقيق متطلبات النظام الجديد وبالتالي فهي أقرب لتصفية أعمالها، ولعل ما أثير في بداية الحديث عن نطاقات أنه من المحتمل أن تقفل الكثير من المؤسسات أو المشاريع الصغيرة أبوابها، يعبّر بشكل أو بآخر عن إمكانية ذلك، فإذا كان الهدف القضاء على التستر وهو أمر إيجابي إلاّ أنه أيضا قد يأخذ بجريرته من هم فعلاً يعملون بمشاريعهم المحدودة الحجم، وبالتالي تبقى الفائدة منحصرة لتلك الشركات الكبيرة التي سيستفيد بعضها من إقفال منافسيهم الصغار، فخروج مشاريع التجزئة الصغيرة أياً كان نشاطها من السوق يعني عودة الفائدة إلى تلك الشركات الكبرى بمجال التجزئة، وهذا قد ينطبق على غيره من النشاطات الاقتصادية، وهذا يعزز دور المنافسة الاحتكارية مستقبلاً بقطاعات ومجالات عديدة، ويعني انعكاساً على الأسعار يؤثر على دخل المستهلك.
وإذا كان لهذا المشروع أيضا من آثار إيجابية تراها وزارة العمل، فإن القدر الأكبر من الفائدة قد يكون بأن يتم تخصيص مجال نطاقات بمهن ووظائف معيّنة بعيداً عن التعميم بنسب السعودة على كامل عمالة المنشأة التي قد تحوي مهناً بسيطة كعمالة وغيرها، فبقدر ما تحقق الشركة أو المنشأة من نسب سعودة بمجالات إدارية أو فنية، فإنّ الأثر سيكون أكبر وأعمق في الاقتصاد السعودي، لأن ذلك يصب في مصلحة الاقتصاد على المدى البعيد، حيث سيكون للعمالة السعودية القدرة على الإمساك بمفاتيح العمل بالمنشآت وبالقطاع الخاص عموماً، ما يعزز من دورهم في نشاطها وكذلك من اكتساب خبرات تثري سوق العمل السعودي خصوصاً أن نسب العاطلين أو الباحثين عن العمل من المتعلمين مرتفعة بشكل عام، مع ما سيضاف لسوق العمل خلال السنوات القادمة من خريجين جدد بسبب ارتفاع أعداد المتعلمين بالجامعات، وكذلك برنامج الابتعاث الكبير حالياً.
إن مشروع نطاقات بحد ذاته يعد فكرة جيدة، وقد يكون لها أثر أسرع من أي برامج للسعودة سابقاً، إلا أن الحصول على نتائج إيجابية بالحد الأقصى الممكن منه يحتاج أيضاً إلى تدقيق أكثر بحاجيات الاقتصاد الوطني، وكذلك طموحات الشباب السعودي، بالإضافة لدراسة الأثر على كافة المنشآت والمشاريع القائمة خصوصاً الصغيرة منها حتى لا يكون هناك ثغرات تعكس آثاراً سلبية مستقبلية على الاقتصاد والفرد معاً.