سعادة رئيس التحرير - وفقه الله السلام عليكم..
اطلعت على مقال الأستاذ ناصر الصرامي - وفقه الله - في الجزيرة يوم الثلاثاء 7-6-1432هـ الذي عنون له بـ(هل سمعتم هؤلاء يعتذرون للناس) والعرب تقول في وصفها للأشياء: الكتاب من عنوانه ونحن نقول للأخ ناصر المقال واضح من عنوانه وإن شئت فقل (الحنق واضح من عنوانه) وقد حوى مقاله جملة من التجاوزات التي تحتاج إلى دليل صحيح، أو نص صريح، أو تعليل غير عليل ومن ضيع الدليل فقد تاه السبيل أما رمي التهم جزافاً هكذا فلا أخاله يليق بكاتب مثلك - قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ؟ إنني وأنا أنثر مداد هذا المقال أخشى أن لا يسمح به مقص الرقيب لأن الرقيب عجيب فإن قدر الله له أن يرى النور فهو لن يشفي ويكفي لأن القول قد قيل، وسارت به ركبان الجريدة كما قال الحكيم:
قد قيل ما قيل إن صدقا وإن كذبا فما اعتذارك من قول وقد قيلا؟
فقوله: إن الدعاة طلاب شهرة، فهذه تهمة وهمز ولمز يحتاج إلى إثبات..وأنا لا أبرئ أحدا فالشهرة والنفاق وجدا على عهده صلى الله عليه وسلم بل أطول وأول سورة في القرآن بعد فاتحته تحدثت عن المؤمنين والكفار والمنافقين فكان للكفار آيتين فقط، وللمؤمنين أربع آيات لكنها تحدثت عن المنافقين لفرط خطورتهم وعظم شرورهم بثلاثة عشر آية وهكذا كان دأب القرآن دائما يصفهم بأبشع الألقاب ويتوعدهم بأشد العذاب (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) لكن السؤال هو من الذي يخول له اتهام هؤلاء الدعاة بهذه الفرية؟ وأخشى ما أخشاه أن يكون كما قال الشاعر:
إذا ساء المرء ساءت ظنونه
وصدّق ما يعتاده بالتوهم
فيا أخ ناصر - نحن لنا الظاهر والله يتولى السرائر وكما قال صلى الله عليه وسلم: إننا لم نؤمر أن ننقب عما في قلوب الناس أما قولك أنه قل ما اعتذر منهم أحد عن خطأه فحسنا ما قلت:الحق يجب أن لا يخضع لنزوة فلان، أو كبرياء علان، لكن أين هو الخطأ الذي يعتذر منه ومن هو الذي يقيم الخطأ؟ وهل صحت نسبة هذه الأقوال إليهم أم أنها شيء تجيش به الصدور، ولي لأعناق النفوس، وتوظيف لنوايا الله أعلم بها ؟ كما قال بعضهم: عندما سئل لماذا لا تصلي قال: لأن الله يقول: (ويل للمصلين) ولم يكمل (الذين هم عن صلاتهم ساهون) كما قال الشاعر الغاوي:
ما قال ربك ويل لما سكروا
بل قال ربك ويل للمصلين
فما ذكرته يا أخ ناصر مما سميته فتاوى صدرت من بعض الدعاة- هذا الكلام إما غير صحيح، أو غير صريح، أو مبتور، أو ملوي العنق، أو لم نستوعبه، أو هو صحيح وقد سبقه إليه عالم معتبر.. ولا ندعي لهم الكمال، ولا نزكي على الله أحدا، وكل ابن آدم خطاء..
وما سمي الإنسان إلا لنسيه
ولا القلب إلا أنه يتقلب
فالناس ليسوا بلهاء سذجا يصدقون أنه يوجد طالب علم مثلا يقول: لا ينبغي للبنت أن تجلس مع والدها في البيت إلا لأسباب ومبررات ومسوغات ذكرت إبانه وصدقت في قولك: إن العلماء الكبار دائما ما يعترفون بالخطأ... هذا صحيح لأنهم واثقون من أنفسهم، شاعرون بالتقصير - لديهم جرأة أدبية، مشفقون من عذاب الله كما قال تعالى: (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون) ولعلي أذكر في هذا المقام من باب التحدث بنعمة الله أنني وفقت للدراسة على يد ابن باز- رحمه الله- لخمس سنوات بقين من عمره، فألفيته لا يسمع وعدا أو وعيد أو تقصيراً على أحد من المسلمين أو مظلمة أو كارثة تحل بهم إلا وتغرورق عيناه بالدموع، ويجهش بالبكاء حتى لا يسمع ولا يكاد يبين لأنه يستشعر تقصيره بذلك، واعترافه بذنبه، فهو كأنما وقف على شفير جهنم قال تعالى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} (التوبة 102)
فالاعتراف بالحق فضيلة، والتمادي في الغي رذيلة..
يستوجب العفو الفتى إذا اعترف
ثم انتهى عما جنـاه واقترف
لقوله سبحانه في المعترف
إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف
والسلام عليكم..
علي الحماد - محافظة - رياض الخبراء