عندما يتخذ المستثمرون قراراتهم، فإن عليهم أن يوازنوا بين توقعاتهم من استثماراتهم وبين قدرتهم على تحمل المخاطرة للوصول إلى أهدافهم. هذه هي الإستراتيجية الاستثمارية التي حملتها نظرية المحفظة الاستثمارية التي نادى بها الاقتصادي الأمريكي ماركووتز في حقبة الخمسينيات من القرن العشرين الميلادي. وقد استخدم المستثمرون في الولايات المتحدة الأمريكية هذه الإستراتيجية في الاستثمار في الدولار الأمريكي في بداية الأمر، ثم شاع استخدامها في بقية دول العالم بدرجات مختلفة من النجاح. وتعتمد نظرية المحفظة الاستثمارية على مبدأ التوزيع الأمثل للأصول الاستثمارية، وهو ما يرتكز مبدئياً على أن أي قرار استثماري سليم يعتمد على عاملين أساسيين. الأول أن العائد على الاستثمار يعتمد على درجة المخاطرة، والثاني أن تنويع الاستثمار يساعد على تخفيض مخاطر المحفظة الاستثمارية عند مستوى عائد محدد. وبصفة عامة، فإن المحفظة الاستثمارية تكون جذابة عندما تحقق عائداً أعلى و- أو مخاطرة أقل. وهذا المعيار يُعرَّف في إطار نقدي محدد مسبقاً. وأي استثمار خارج هذا الإطار النقدي يعني افتراضاً مسبقاً بصحة تقييم العوامل النقدية. ومنذ أن ظهر سعر الصرف المرن في عام 1973م، فإن مخاطر الاستثمار في النقود أصبحت مشكلة صعبة للمستثمرين الدوليين. ويتضح حجم هذه المشكلة عندما يقع المستثمر في دولة ما بين إغراءات العوائد المتاحة في الأسواق الأجنبية وبين الخوف من أن تذوب هذه العوائد عندما يحولها إلى عملته المحلية نتيجة لتغير أسعار الصرف وعدم ثباتها. وقد أدت التغيرات الكبيرة، وغير المتوقعة أحـياناً، في أسواق المال الدولية إلى صعوبة تقييم الاستثمارات، وأثارت أكثر من سؤال حول جدوى نظرية التوزيع الدولي للاستثمارات. وقد ساعد تذبذب سعر صرف الدولار الأمريكي في السنوات الأخيرة على التركيز على هذه التساؤلات. وقد أشار بعض خبراء الاستثمار في البنوك السويسرية إلى أن تغير سعر الصرف يؤثر سلباً على حركة الاستثمار في أسواق المال الدولية. والملاحظ في هذا السياق، هو التفاوت بين المبدأ النظري والتطبيقات العملية في أسواق المال الدولية، والتي قد لا تعكس بالضرورة بريق الرؤية النظرية لعلماء الاقتصاد. ولهذا، فإن خبراء الاستثمار في البنوك التجارية الرئيسية في العالم ينصحون المستثمرين بعدم الوصول إلى حكم نهائي فيما يختص بقنوات الاستثمار دون الرجوع إلى الأدوات الحدثة التي تقدمها آليات أسواق المال الدولية في الوقت الحاضر والتي تهدف إلى حماية المستثمر في الأسهم والسندات الدولية المطروحة بعملات مختلفة، ومنها الحماية ضد مخاطر التغير في أسعار الصرف. وخلاصة القول، إن النظرية الاقتصادية قد لا تتطابق مع الواقع دائماً، بل قد لا يكون ضرورياً أن تتطابق معه. ذلك لأن النظرية الاقتصادية تطرح الإطار العام الذي يجب أن تتكيف التطبيقات العملية معه. وهذا هو العبء الحقيقي الذي يجب أن يتحمله المستثمر أولاً وأخيراً، ولهذا يختلف المستثمرون في نجاحـاتهم والعبرة في النهاية بمن يمتلك القدرة على الجمع بين قدراته العلمية وخبرته العملية. وذلك فن يعطي للنظرية الاقتصادية بريقاً يضفي عليها ما تستحقه من التقدير.
رئيس دار الدراسات الاقتصادية - الرياض