من حكمة الله تعالى أن جعل آفة الشيء من جنسه وجعل بذرة فنائه من ذاته.. ويستوي في هذا الإنسان والحيوان والنبات والفكرة والرأي والجماعة والنظام.. وحينما يجد فريق ما أنه لظرف ما صار الأعلى صوتاً والأكثر تأثيراً والأقدر على تهييج المحيط الذي ينشط فيه.. تكون تصرفاته محسوبة إما له أو عليه.. وسوف يحتفظ بها التاريخ وتتحول في ذاكرة المجتمع إلى مقياس لنوعية أثره.. ويُشَكِّل صورته في المخيلة العامة إما يبنيها أو يهدمها.. فحينما اكتسحت الصحوة الساحة في مطلع هذا القرن الهجري كان من المآخذ التي استخدمها مناهضوها ضدهم قصة (وفد منع تعليم المرأة) الذي زار الملك فيصل.. وتحولت تلك الحادثة إلى سبة تؤكد أن الممانعة والوقوف ضد التغيير هي صفة متشددة.. ومازال المجتمع يلهج بالشكر والرحمة للملك فيصل عدم استجابته لهم وإلا لكان وضع المرأة سبة هو الآخر في جبين الوطن.
واليوم تتناقل المواقع الإلكترونية رأياً لأحد رجال الدين المحسوبين يقول فيه: «إن رجال الدين حينما طالبوا بعدم السماح للمرأة بالتعليم، كانت لهم نظرة ثاقبة، وهي ما نراه الآن من دعوة وزير التربية والتعليم للاختلاط».. ثم تلاه خبر قدوم وفود من مناطق مختلفة لمقابلة الملك (لمنع تقدم التعليم).. أما أعضاء الوفد الذي زار الملك فيصل فلا نشك في صدق نواياهم فهم أبناء بيئة كانت منغلقة عاشت ألف عام في عزلة.. لكن ما هو القول في هؤلاء الذين يريدون وأد تقدم التعليم لا لشيء سوى أنهم أخذوا الأمر على أنه موقف تَحدٍّ يثبتون فيه من هو الأقوى: هم أم وزير التربية والتعليم.
التعليم في المملكة في مواجهة وتحدٍّ بدأ مبكراً منذ عهد الملك عبدالعزيز عند فتح المدارس النظامية، ومعارضة تعليم الرسم واللغة الأجنبية والجغرافيا.. ثم زيارة وفد منع تعليم المرأة في عهد الملك فيصل مروراً بما حصل في وزارة الدكتور: محمد الرشيد.. اليوم المواجهة في أوج قوتها حيث وصلت إلى مرحلة كسر العظم.. وإذا كان التعليم قد نجا في المرة الأولى والثانية فقد انكسر فيها عظم الدكتور محمد الرشيد في الثالثة.. فهل ينجو الأمير فيصل بن عبدالله في الرابعة؟.
لقد اتصف حراك التعليم السعودي بأنه محافظ يمشي ببطء.. ثم تحرك في مرحلة الدكتور محمد الرشيد لكن بارتباك.. فمثلاً بعد صدور قرار تعليم اللغة الإنجليزية للمرحلة الابتدائية أُلغي القرار بعد قدوم المعلمين وطبع المقررات.. ومع ذلك تحققت بعض النتائج.. يكفي منها أنها رفعت علم التحذير وأعلنت للجميع أن تعليم الوطن في خطر.
اليوم يتطلع المواطن السعودي ذكراً كان أم أنثى أن يكون مواطناً عالمياً.. وهذا يعني أن يكون فاعلاً في منظومة العمل الوطني.. يتكامل فيها ويتعاون مع بقية أطراف المنظومة.. وهذا لا يتحقق إلا بالتعليم.. فاتركوا الأمير فيصل يعمل ولا تعيقوه.. اللهم وفق ولاة أمرنا رشدا.