اعتماد خادم الحرمين الشريفين حفظه الله تصاميم وحدات مشاريع الإسكان في جميع مناطق المملكة، والبالغ عددها (500) ألف وحدة سكنية، بما احتوته من مساحات ومواصفات وتكاليف، والتي أمر بإنشائها في يوم الجمعة الموافق للثالث عشر من ربيع الآخر المنصرم.
استمرار تنفيذ أكثر من (15) ألف وحدة سكنية موزعة على نحو (35) مشروعاً في مختلف مناطق المملكة، بإشراف وزارة الإسكان - الهيئة العامة للإسكان سابقاً.
توصية مجلس الشورى بضرورة قيام وزارة الإسكان بوضع آلية لتوزيع الوحدات السكنية على المواطنين، وتطبيقها فور انتهاء المشاريع الجاري تنفيذها.
توصية مجلس الشورى بسرعة استكمال الإستراتيجية الوطنية الشاملة للإسكان التي أُسند إعدادها إلى الهيئة العامة للإسكان، مع إمهال الهيئة حتى نهاية عام 1432هـ لإنجازها.
هذا الحراك المتعدد في محاوره يمكن أن يحمل الكثير من المؤشرات الإيجابية على صعيد معالجة قضايا الإسكان في المملكة، والتي تتفاقم بصورة مُطِّردة بفعل تسارع معدلات نمو السكان السعوديين، والعمالة الوافدة، شريطة اعتماد معايير العدالة والشفافية والجودة في مباشرة تنفيذ هذه الحزمة من الأوامر الملكية الكريمة، والأدوات الداعمة والمساندة لخطوات التنفيذ.
في تقديري أنَّ الكثير من المواطنين والمهتمين بالقضايا الإسكانية في المملكة لديهم هواجس مشروعة حيال هذا الحراك، بفعل التجارب الإسكانية السابقة، وآليات توزيعها التي استغرقت فترات زمنية طويلة، وافتقدت لمعايير الجودة والشفافية.
عليه، فمن المهم جداً في المرحلة الحالية والقادمة العناية بالأدوات والسياسات الكفيلة بسير هذه المشاريع وفق المستهدف لها، ويدخل في هذا الباب:
1- إنجاز الخطة الإستراتيجية الوطنية الشاملة للإسكان، فقد طال بها الأمد، وتعددت جهات إعدادها، بفعل متغيرات إدارية وهيكلية لبعض القطاعات الحكومية. فإثر إلغاء وزارة الأشغال والإسكان، تمَّ إسناد مهام إعداد الخطة إلى وزارة الاقتصاد والتخطيط، ثمَّ نُزعت منها لصالح الهيئة العامة للإسكان بعد إنشائها، وأخيراً استقرت تحت مظلة وزارة الإسكان. هذا الأمر دفع بمجلس الشورى إلى إمهال الجهة المنفذة فترة زمنية لا تتجاوز هذا العام لإنجاز هذه الخطة. والتي يُفترض أن تشتمل على جملة من الأهداف والسياسات الكفيلة ببناء رؤية ورسالة لتنمية إسكانية مستدامة تأخذ في حسبانها التوازن في توزيع الكتل البشرية في مختلف مناطق المملكة، بما يسمح برفع مستوى النمو السكاني للمناطق الأقل نمواً، وتخفيف الضغط على البنية التحتية والفوقية للمدن الكبرى، جرَّاء الهجرة المطِّردة من المناطق الأقل نمواً (مناطق الطرد) إلى المناطق الرئيسة الأكثر نمواً (مناطق الجذب) بحثاً عن فرص العمل أو التجارة أو الدراسة أو العلاج، بما شكَّل ضغطاً متزايداً على المرافق والخدمات والطرق في مدن المملكة الرئيسة فاق طاقتها الاستيعابية. ويُفترض أن تتضمن هذه الخطة كذلك آليات تعزيز وظيفة القطاع الخاص في مجال الإسكان، وتنويع أدوات التمويل.
2- ضرورة العناية بإعداد آلية لتوزيع الوحدات السكنية، تأخذ في الاعتبار الفئات السكانية المستهدفة، وجداول زمنية لتنفيذ توزيع هذه الوحدات. ومن المهم جداً في هذا الشأن العناية بالفئات العمرية من الشباب ما بين سني 25 - 35 لتوفير مساكن لهم في مناطق العمل، وهم الشريحة الأكبر في التركيبة السكانية السعودية. والعناية كذلك بذوي الدخول المحدودة، والمتقدمين منذ سنوات طويلة للحصول على قروض من صندوق التنمية العقارية.
3- أهمية قيام صندوق التنمية العقارية - بعد أن تمَّ رفع الحد الأعلى لقيمة قروض الصندوق إلى (500 ) ألف ريال - بتحديث آلياته وبرامجه.
4- العمل على سرعة إصدار نظام الرهن العقاري، وهو الآخر طال به الأمد، فالتدفقات المالية لحزمة الأوامر الملكية الأخيرة لن تستوعب بالتأكيد جميع طالبي السكن. ويقول خبراء العقار بأنَّ نظام الرهن العقاري سيوفر التمويل والبيئة المناسبة لشركات التطوير العقاري لبناء مشروعات بأبعاد فكرية احترافية تتجاوز فوضى التطوير الفردي لسوق العقار السعودية بوضعه الراهن. ومن المتوقع كذلك أن يسهم صدور نظام الرهن العقاري في كبح جماح أسعار تملك الوحدات السكنية وإيجارات المساكن.
5- أهمية العناية بالأراضي الحكومية المخصصة للإسكان، والتشديد في عدم التصرف فيها لمصالح أخرى، وبما يساعد على إفساح المجال لانتظام إنشاء مشاريع الإسكان الحكومي.
إنَّ التدفقات المالية لحزمة الأوامر الملكية، والتي خصت التنمية العقارية بالنصيب الأكبر، تفرض على متخذي القرار والتنفيذيين في الهيئات والمؤسسات ذات الصِّلة العمل على اتخاذ كل معايير الجودة والشفافية لرسم سياسة إسكانية تحقق طموحات واحتياجات أبناء هذا الوطن العزيز، خاصَّة إذا علمنا أن أكثر من نصف السعوديين يعيشون في مساكن مستأجرة تستهلك نحو (30%) من دخولهم ومواردهم المتاحة. ومن شأن تحقيق ذلك في المدى المتوسط أن يسهم في تعزيز النشاط الاقتصادي، وزيادة معدلات الفرص الوظيفية والاستثمارية المتاحة، وخفض أسعار العقارات.
على أية حال نأمل ألا تكون قوائم الانتظار طويلة قد تستغرق زهرة الشباب وأحلام المستقبل، وتطفئ جذوة رؤية الملك عبد الله حفظه الله في توفير مساكن لأبنائه في كل مناطق المملكة.
كلمة أخيرة:
الاستعانة بالخبرات والاستشارات الأجنبية أمر لا مندوحة منه، لبناء منظومة متراكمة من المنجزات التطويرية، لكن ينبغي أن يكون في حدود الاحتياج الفعلي، وبما يسهم في ترشيد النفقات العامة. وبالمقابل ينبغي أن نفسح المجال أكثر للخبرات الوطنية المتميزة في الجامعات ومراكز البحوث لبناء خطط ومشاريع التنمية الإسكانية المستدامة.