نمط الحياة واحد، والأحداث هي التي تتجدد وتتعاقب، وكل جيل من الأجيال يقرأ الأحداث لكنه لا يعايشها، أو يستدعيها، وهي تتكرر، والراصد للحدث ينقل طرفا منه، ويفسر أطرافا أخرى حسب ميوله وأهوائه، وحسب انتماءاته واستقراءاته، وحسب بعده أو قربه. وحسب إحجامه وإقدامه.
على قدر عمق الاستقراء من الإنسان للأحداث ووعيه يكون موقفه من الحياة، وكيف يكون سلوكه من متغيراتها، ومن هنا نفهم نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن (سب الدهور) مهما جارت، ونستوعب التوجيه النبوي للإنسان حينما تلفه الفتن من كل جانب. وحينما ينعم بالأمن، والرفاهية، والاستقرار نجد ما يناسب حاله من التوجيه القدسي. النوادر من الناس هم من أحاطوا بحقيقة الحياة، فتكيفت لهم الحياة، وكيّفوا أنفسهم معها، ومن هؤلاء النفر - على ندرتهم - أصبحوا فلاسفة عصرهم، وكان المجتمع المدني، أو الحياة الاجتماعية هدفهم فيما يقولون ويكتبون، وأمسوا بحسهم الراقي بعيدين كل البعد عن السياسة وتصعيداتها، وشطحات أحزابها، رغم أجواء الحرية التي نعم البعض بها. وقد تستثمر المجتمعات، أو دهماء الشعوب أطروحات الفلاسفة في كثير من المواقف السياسية، وقد يقتنص السياسي جزءا منها كشعار من الشعارات، وينسف ما لا يتفق مع توجهاته.
مع أنه الموقف الصحيح من الحياة ومن الأحداث، تفسر الانعزالية، أو الانطوائية التي يتخذها بعض البشر بالضعف، وأحيانا بالانغلاق، أو عدم الاستيعاب للواقع وكشفه، وعلى النقيض من هذا السلوك تواجهك فئات كثيرة، يتشعب الناس في تفسير سلوكهم في انجرارهم خلف الأحداث، وسيظل هذا الاختلاف سمة الحياة، والناس على قدر ثقافتهم يتمايزون نسبيا في هذه المواقف.
الآن، وفي عصر الثورات العربية من يصنع الأحداث، أو يستثمرها لا يعني بأي حال من الأحوال أنهم من الصفوة، أو أنهم الأرجح عقولا، والأدهى في عالم السياسة!!. قرأنا في غير مرجع، كيف تعاطى الغربيون، ويتعاطون مع أزمات كبيرة أشد وقعا، وأعظم فتكا في المجتمعات، اختلفوا في تعاطيهم اختلافا جذريا عما نشاهده في العالم العربي اليوم، وسبب ذلك أن تجاربهم ليست ببعيدة، واتصالهم بخلفية الأحداث وبآراء المفكرين أكثر منا، فرجعوا بروية وعقلانية إلى خلاصة ما طرحه مفكرو الغرب وفلاسفتهم آنذاك، وأسسوا ثقافة الأجيال عليها .
لقد كانت الأحداث فرصة لتحليل الإرهاب البلشفي الذي اجتاح روسيا مطلع القرن العشرين، وهستيريا ذوي القمصان السوداء (بإيطاليا وألمانيا)، وشاهدوا العمال الجائعين خلال الأزمات الاقتصادية الكبرى، وراقبوا العالم بأسره، وهو ينجر إلى الحروب العالمية. عالم منكود، صوروه بدقة متناهية، وأصبحت مزالق ساسته إرثا ثقافيا تتناقله الأجيال بعد الأجيال.
الحياة موقف للإنسان، يسجله التاريخ له أو عليه، وأوفر الناس حظا في الحياة هو من سخر حياته في خدمة الإنسان، مهما كان جنسه، أو عرقه، أو انتماؤه، إذن لا جديد في أحداث الحياة، بل الجديد كيف تعاطينا معها؟
dr_alawees@hotmail.com