رفـــرفـ،تْ يومَ أمس الأحد رايــةُ الذكــرى السامية لتولَّي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -أيده الله- مقاليدَ حكمِ هذا الوطن العملاق خَلَفاً لأخيه الراحل العظيم، الملك فهد بن عبدالعزيز -طيب الله ثراه-.
***
إنّها لذكرى غالية بكلّ المقاييس، نجدّد من خلالها كلَّ عام البيعةَ والحبَّ والولاءَ لسيّد هذا الكيان أبي متعب -حفظه الله- ولهذا الوطن الغالي من خلاله، ونكرّر الدعاءَ بالرحمة والغفران لسلفه الكبير الذي غَادرنا إلى دنيا الخلُودِ بإذن الله، بعد مسيرةٍ طويلة وشاقة حافلةٍ بالوعد الصادق والإنجاز.
**
وهي، بعدَ هذا وذاك، مناسبةٌ غالية علينا جميعاً، أفراداً كُنّا أو جماعاتٍ أو مؤسسات، نهنَّئُ أنفسَنا بحلولها، ونفْخرُ بتجدُّدها عاماً إثر عام، ونتذكّر من خلالها إنجازاتِ التنميةِ المباركةِ التي عّمت البلادَ من أقصَاها إلى أدناها، واعدةً بالكثير من الخير للمواطن والوطن، تَعليماً وصحةً وإسكاناً ونقلاً وثقافة وإعلاماً وغير ذلك كثير من مظاهر الحياة الكريمة.
***
كما نتذكّر بعرفان مطرّزٍ بالفرح ما تحقّق لبلادنا من الانفتاح على أنفسنا أولاً، ثم العالم الآخر، القريبِ منا والبعيدِ عنا، انفتاحاً حضارياً مدْرُوساً لا يتعارض مع ثوابتنا ومُثلنا المقدسة، فكان الحوار الوطني، ببُعديْة الداخلي والخارجي، الذي أولاه الملك المفدى كلَّ الدعم والتأييد، مبادرةً وحدثاً، وشاركت فيه معظمُ الأطياف الفكرية في البلاد، وقد منحتْنا هذه المبادرةُ فرصاً قويمةً لا تعوض لتحقيقِ المصالحةِ فكرياً وثقافياً مع أنفسِنا بدءاً، ثم التفهُّم المشتركُ لمواقفنا المتفقةِ أو المتباينةِ حول العديد من أمور حياتنا وقضاياها، لكنَّه تفهّمٌ بعيدٌ عن التشدّد واللَّمز والإقصاء، وكانت روحُ هذه المبادرة تؤكَّد بالقول والفعل، أنّ من حقّ الناس أن يختلفوا، رأياً وتعبيراً، عمّا يَرْونَه حقاً، لكنه اختلافٌ لا يهمّشُ كرامةَ أحد أو يصَادرُ منه الحقَّ في التعبير عمَّا يراه، حتى لو لم يكن الصوابُ حليفَه في كل ما يكتب أو يقول!
***
وهناك من الإنجازاتِ الأُخرى ما لا يتيحُ الإفصاحَ عنه في هذا المجالُ المحدودُ من القول، خاصة في مجالات العلم والمعرفة وتطوير القضاء وتنمية التربية منْهجاً وإدارةً، وتفعيل الاستثمار المعرفي والاقتصادي في أكثر من مجال.
***
وكان أحدثُ ما استجدَّ من الخطوات التنموية الجريئة قبل نحو أسبوعين افتتاحَ الكيان الحضاري والتربوي العملاق ممثَّلاً بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، لتكُونَ أكبرَ جامعةٍ للبنات في العالم، تُجسَّدُ بنيتُها الأساسيةُ أحدثَ ما تفتَّقَ عنه عقْلُ الإنسان الحديث تصميماً وتطويراً وأداءً، وسبق ذلك إنشاءُ مدينة الملك عبدالله للطاقة النووية والمتجددة مستكملةً بذلك الجُهدَ الرائدَ الذي بدأتْه شَقيقتُها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية في هذا السبيل، وستتيحُ لنا المدينة الجديدة بإذن الله فُرصَ اقتحام نادي الطاقة الدولي من بابه السلمي الواسع ابتغاءَ البنَاء لا الهَدمِ، محاولين تسخير هذه الطاقة الفاعلة في تَخْفيفِ الاعتمادِ على موارد النفط في كثير من شئون حياتنا المادية، وخاصة في مجال تحلية المياه المالحة، وتوليد الطاقة الكهربائية ونحو ذلك.
***
وبعد
فكثيرةٌ هي الشئونُ والشجونُ والمشاعرُ التي تراودُ الذهنَ وتفتن الفؤادَ وتُطلقُ عنَانَ اللسان والقلم في هذه المناسبة العملاقة.. ولم يبقَ لي في الختام سوى أن أتوجَّهَ إلى المولى جلّتْ قدرتُه وعَلَتْ سَطْوتُه وعظُمَ شأنُه أن يحْفَظَ لنا دينَنَا الذي هو عِصْمةُ أمرنا، وأن يُديمَ على بلادنا أمنَها وعزَّها ورُقيّها، وأن يَمدَّ في عمْر قائدِ هذه المسيرة المظفرة وسمو ولي عهده الأمين وسمو نائبه الثاني، أيّدهُم الله جميعاً، مؤزَّرين بالقوة والعز والتوفيق في خدمة وطننا الغالي.