|
الجزيرة - إبراهيم الروساء
لم تكن ليلة الخامس عشر من رمضان، من عام 1423هـ، ليلة عادية حين قام خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - في بادرة تاريخية لم يسبقه إليها أحد بزيارة لأحد الأحياء الفقيرة في مدينة الرياض فجأة، ودون سابق ترتيب.
وشكلت هذه الزيارة ملامح خطة إستراتيجية وطنية من أبرز أهدافها معالجة الفقر والحد من الفقراء، ومساعدة الشباب على تنمية قدراتهم، ودعمهم بمشاريع جبارة، تقع ضمن الخطة الوطنية الشاملة للتنمية المستدامة التي تأخذ بعين الاعتبار شريحة الشباب الذين هم عماد المستقبل ومرتكزه.
وظهرت ملامح هذه الخطة للعيان من خلال عددٍ من المشاريع الحيوية مثل مشروع الإسكان الشعبي في مناطق المملكة، وصندوق خيري لمعالجة الفقر، وصندوق المئوية، وصندوق لذوي الدخل المحدود، ومؤسسة الملك عبد الله بن عبد العزيز لوالديه للإسكان التنموي، إلى جانب سيل من المكرمات الملكية للمواطنين مثل زيادة الرواتب للمدنيين والعسكريين بنسبة 15%، وخفض سعر البنزين والديزل، وزيادة مكافأة الطلاب المبتعثين الشهرية، علاوة على تثبيت جميع مخصصاتهم في عدد من الدول التي تأثر المبتعثون فيها بتذبذب سعر صرف الريال مقابل عملاتها.
وعودا إلى الزيارة التاريخية فقد شاهد المواطنون والعالم أجمع الملك عبد الله يتصرف بتلقائية ويتكلم بصدق ومحبة، كاشفا النقاب عن حقيقة لازمها الصمت، وهو أن المملكة فيها فقراء، وأنها مشكلة لا بد من معالجتها.
وشوهد الملك عبد الله بن عبد العزيز فارس الشفافية والصدق والواقعية يدخل بيوت المواطنين المعوزين ويتحدث معهم، ويتفقد غرف مساكنهم غرفة غرفة، ويفتح حتى ثلاجات مطابخهم ليكتشف أن بعضهم لم تكتمل لديه حتى الأجهزة الأساسية لكل مطبخ بيت، ويعلن أنه مسئول أمام الله عن حل مشكلات هؤلاء المواطنين وتقديم العون لهم، ويؤكد: (زيارتي هذه لا تحمل الرياء، وأعوذ بالله منه، ولكنها المسؤولية التي تحتم على كل مسئول أن يدرك بأن دوره يتخطى المكاتب).
إن زيارة الملك عبد الله هذه تعد بمثابة وضع إستراتيجية طويلة الأمد لمعالجة الفقر وتتطلب في البدء الاعتراف بالمشكلة، وهو ما قام به - أيده الله - وثم طرح تلك الإستراتيجية وتنفيذها على أرض الواقع، استنادا على إيجاد حلول عاجلة لمشاكل الفقراء ومتطلباتهم حتى تتوفر لهم حياة كريمة في مجتمع يفترض أن يحتكم في علاقته الاجتماعية على مبدأ التكافل الإسلامي.
ولقد فتحت هذه الزيارة التفقدية التي قام بها خادم الحرمين الشريفين عندما كان ولياً للعهد لأحد الأحياء التي يسكن بها بعض الفقراء في الرياض، مجالاً واسعاً لمناقشة صريحة تتسم بشفافية موضوعية لظاهرة الفقر في المجتمع السعودي.
ومن هذا المنطلق، فاضت المكرمات في عهده الميمون، وهي لا تعد ولا تحصى، ومن أهم المكرمات التي شملت الشريحة الأكبر من المواطنين زيادة الرواتب 15% للمدنيين والعسكريين والمتقاعدين، وأوامره المستمرة بالإفراج عن السجناء، وزيادة الرواتب، ونثر المزيد من المشاريع على امتداد الوطن.
ومن الجدير هنا ذكره هو تجربة المملكة الرائدة في مجال معالجة الفقر، في الوقت الذي يتخذ فيه العالم أجمع خططا استراتيجية كبيرة من أجل وضع حل لهذه القضية والمعضلة الشعبية التي لم تسلم منها معظم شعوب العالم وهي مشكلة الفقر.
في حين أن المملكة قد اتخذت هذا الموضوع منهجا تنمويا دائما بالرغم من الصعوبات التي تحيط بها من كل جانب، فمن التحديات الجغرافية، إلى التحديات الجيوبولوتيكية، فبالرغم من تجانس الشعب السعودي في الدين والعرق واللغة، إلا أنه يضم أكبر تجمع قبلي في العالم، حيث يحوي أكثر من 100 قبيلة يتشكل منها الشعب السعودي، وإذا اجتمعت الصحراء مع الطبيعة القبلية فإن الحياة البدوية، وشظف العيش والتنقل وراء المرعى والماء هي النموذج المسيطر على طبيعة الدولة مضيفاً بذلك تحدياً آخر للتنمية السعودية.
لذا فقد ركزت خطط التنمية على السياسات والبرامج المتعلقة بإعداد القوى البشرية وتهيئتها للعمل، وإيجاد الفرص الوظيفية الملائمة لها وتحسين إنتاجيتها، ووضعت أهدافاً محددة سنت لها أنظمة وخصصت لها برامج واعتمدت لها نفقات من أجل إحلال القوى العاملة السعودية محل غير السعودية في القطاعين الحكومي والخاص، واحتلت عملية التأهيل والتدريب بنداً ذا أولوية في كافة خطط التنمية وفي الميزانيات السنوية للدولة، وذلك إيماناً من خادم الحرمين الشريفين أن المواطن هو محور التنمية والقادر على إدارتها وإثرائها والإفادة منها.
كما حرصت المملكة على الأخذ بالمفهوم الشامل للتنمية، حيث نظرت للتنمية على أنها ذات شقين؛ الأول اقتصادي يركز على تطور الإنتاج والدخل والمدخرات والاستثمار بما يشمله من تصنيع وتعدين وزراعة وتجارة، إلى جانب التنمية البشرية التي تركز على تنمية المواطن وتنظر إليه على أنه هو الهدف لكل تنمية، وذلك بتوفير أسباب الحياة الكريمة ورغد العيش لكل مواطن فتحسنت مستويات المعيشة في فترة قياسية وحدثت قفزة كمية ونوعية في الخدمات المقدمة للمواطن من تعليم وصحة وطرق ومواصلات وإسكان ومياه وكهرباء واتصالات طالت كافة أنحاء الوطن على اتساع رقعته.
وكذلك حرصت المملكة أن تشمل خطط التنمية كافة أنحاء المملكة ومناطقها دون استثناء أو تمييز لمنطقة عن أخرى.
وقد كان ذلك عاملاً أساسياً وجوهرياً في نجاح خطط التنمية في المملكة، سواء من ناحية عدالة التوزيع أم من ناحية استغلال كافة المزايا النسبية لمناطق المملكة ومدنها وقراها.
لقد كان لخادم الحرمين الشريفين، دور مهم وبارز في معالجة الفقر وتحسين المستوى المعيشي للمواطن، فقد اتخذ سلسلة من الإجراءات التي تكفل تحسين معيشة المواطن، إذ أمر بزيادة رواتب فئات العاملين السعوديين من مدنيين وعسكريين ومتقاعدين، وذلك بنسبة 15%، ودعم القطاعات الخدمية، ومنها زيادة الحد الأعلى لمخصصات الضمان الاجتماعي للأسرة من ستة عشر ألفاً ومائتي ريال إلى ثمانية وعشرين ألف ريال في السنة، وتخصيص مبلغ إضافي مقداره ثمانية آلاف مليون ريال من فائض إيرادات السنة المالية 1425-1426هـ للإسكان الشعبي في مناطق المملكة، ويتم تنفيذ هذا المشروع على مدى خمس سنوات ليصبح إجمالي المخصص لهذا الغرض عشرة آلاف مليون ريال.
كما وافق خادم الحرمين الشريفين على عدد من القواعد المنظمة لتقسيط مديونيات الخزينة العامة للدولة على العاجزين عن الوفاء بها دفعة واحدة، والإعفاء من الدين عند الإعسار أو الإفلاس.
ومن القرارات التي اتخذها خادم الحرمين الشريفين التي تنصب في التخفيف على المواطنين، والمساهمة في تحسين المستوى المعيشي، قرار تخفيض سعر البنزين والديزل، وهما سلعتان لا غنى لأي كان عنهما. وهما مؤثرتان على ما سواهما من السلع، مما سيقلل من تكلفة الأسعار الاستهلاكية لكثير من المنتجات، وهو ما ينصب في مصلحة المواطن وتحسين معيشته أولاً وأخيراً.
كما أعلن عن عزمه على إنشاء صندوق لذوي الدخل المحدود لاستثمار ما لديهم من مال مع ضمان رأس المال لهم إذا لم يحقق استثماره عائداً ربحياً لهم، وغير ذلك من الإجراءات التي تكفل للمواطن تحسين معيشته.
وزيادة على ما سبق فقد وجه - حفظه الله - إلى وضع إستراتيجية وطنية لمعالجة الفقر، وتكوين فريق عمل يقوم بدراسة الفقر في المملكة، بما يتطلبه ذلك من تحديد مفهوم دقيق للفقر بحسب المكان وتحديد خط الفقر في المملكة.
على صعيد متصل ولذات الهدف جاء مرسوم ملكي يعنى بإنشاء صندوق خيري لمعالجة الفقر كخطوة أولى من خطوات الاستراتيجية الوطنية لمعالجة الفقر إذ تم تأسيسه باسم: (الصندوق الخيري لمعالجة الفقر).
وجاء تأسيس الصندوق الخيري لمعالجة الفقر في المملكة لتحقيق عدة أهداف نبيلة حرصت الدولة أن يكرس الصندوق جهوده لوضع إستراتيجية جديدة له ينطلق منها هذا الصندوق بمعاونة الدولة والمقتدرين من أبناء هذا الوطن.
كما جاء نتيجة الشعور بأن في المجتمع السعودي فئات فقيرة، تحتاج المساعدة والمعونة للوفاء بمتطلباتها الأساسية. وتأكدت أهمية إيجاد هذا الصندوق بعد زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -ولي العهد حينها- لبعض الأحياء الفقيرة في مدينة الرياض.
وتقوم فكرة الصندوق على أن يكون مؤسسة اجتماعية تساند النشاط الحكومي والخيري الموجه للفئات الاجتماعية المحتاجة في هذه البلاد، وينتظر أن يكون الصندوق إحدى الآليات الفاعلة، للإستراتيجية الوطنية لمعالجة الفقر، ومعالجة آثاره في المملكة.
فهو مؤسسة اجتماعية تعمل على تحسين ظروف الفقير وتأهيله والوفاء بحاجته من خلال عطاء نوعي متبادل يشارك فيه الفقير وتسهم الدولة في دعمه وتمويل برامجه ومشروعاته مع المؤسسات الأهلية الربحية والخيرية وبمساندة من الأفراد الموسرين بإشراف من رئيس مجلس الإدارة معالي وزير العمل والشؤون الاجتماعية.
على ذات السياق فإن الملك عبد الله يظل ساعياً إلى كل ما فيه مصلحة أبناء شعبه، وإلى ما فيه تخفيف أي عبء عليهم، لهذا، ومنذ أن بدأ عهده الميمون توالت قراراته التي تنصب في هذا الشأن رغبة منه بأن يكون المواطن السعودي في مستوى معيشي يتناسب مع الوضع الاقتصادي الذي تعيشه المملكة في عهده.
حيث تتوالى مشاريع الخير والإصلاح، والعطاء والبذل من خادم الحرمين، من أجل الحد من الفقر ومحاربته بشتى الوسائل ولكن هذه المرة بمشاركة الميسورين من أبناء البلد حيث أعلن - حفظه الله - بإنشاء صندوق استثماري لذوي الدخل المحدود في النصف من ربيع الآخر سنة 1427هـ - 15 مايو 2006م، كما أمر - رعاه الله - بزيادة المكافأة الشهرية للمبتعثين في الخارج بنسبة 15 بالمائة، ووافق على تثبيت جميع مخصصات المبتعثين في عدد من الدول التي تأثر بها أبناء المملكة من المبتعثين بتذبذب سعر صرف الريال مقابل عملاتها، وذلك بواقع 2.57 للدولار الكندي، و2.27 للدولار الأسترالي، و5.93 للجنيه الإسترليني، و3.84 لليورو، و0.48 للراندج الإفريقي.
كما وجه - أيده الله - وزارة الشؤون الاجتماعية بتسليم 7312 وحدة من مشروع الإسكان الشعبي في سبع مناطق من مناطق المملكة هي: جازان، ونجران، وعسير، والجوف، ومكة المكرمة، والمدينة المنورة، والباحة، بكلفة 1.96 مليار ريال. وتشمل جازان 1500 وحدة في ثمانية مواقع، ونجران 1400 وحدة في تسعة مواقع، والجوف 1400 وحدة في ثلاثة عشر موقعاً، وعسير 700 وحدة في تسعة مواقع، ومكة المكرمة 612 وحدة في أربعة مواقع، والمدينة المنورة 1300 وحدة في ثمانية مواقع، والباحة 400 وحدة في أربعة مواقع.
كما أعلن خادم الحرمين في عام 1423هـ عن إنشاء مؤسسة الملك عبد الله لوالديه للإسكان التنموي، وقد سبق هذا الإعلان زيارته لحي من أحياء الرياض الفقيرة، وصاحب تلك الزيارة الإعلان عن إستراتيجية لمعالجة الفقر والإعلان عن صندوق خاص لمعالجة الفقر.
وفي لفتة كريمة منه تبرع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بأرضه الواقعة في المدينة المنورة على مساحة قدرها 4.800.959 متر مربع دعما لمؤسسة الملك عبد الله بن عبد العزيز لوالديه للإسكان التنموي قاصدا بها وجه الله تعالى.
وتعد هذه المؤسسة الخيرية مبادرة كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لمعالجة مشاكل اجتماعية عديدة والاهتمام بالمواطن الذي يعاني من فاقة وعوز لا تجعلانه قادراً على امتلاك المسكن الملائم معمارياً وصحياً أو يثقل كاهله الإيجار الذي يستنزف قوته وقوت أطفاله ويحول دون إمكانية عيشهم حياة كريمة لائقة.
على ذات الجانب فإن إيمان الملك عبد الله بأهمية الشباب في التنمية الاقتصادية الوطنية بوصفهم صنّاع المستقبل، ودرع الوطن الواقي، ولا مستقبل لوطن دون شبابه، لذا أمر - رعاه الله - بإنشاء صندوق المئوية ويهدف بمساندة رجال الأعمال السعوديين - إلى مساعدة الشباب السعودي الذين يسعون إلى تحقيق استقلال اقتصادي ذاتي ولديهم الرغبة في إنشاء مشروعات استثمارية منتجة ومزاولة الأعمال التجارية الحرة.
وصندوق المئوية يدعم الأفكار الجيدة لمشاريع الشباب بمائتي ألف ريال، إضافة إلى الخدمات الإرشادية لهم ومساعدتهم على عمل دراسة الجدوى للمشروع، إضافة لتسهيل إجراءاتهم في الدوائر الحكومية ذات العلاقة دون النظر إلى الجنس ذكراً كان أو أنثى ولا إلى المدينة التي ينتمي إليها الشاب السعودي ويعيش فيها، المهم أن تكون الفكرة تجارية قابلة للتسويق.
وينصب تركيز صندوق المئوية على معالجة احتياجات الشباب المستثمر الذين لا يمكنهم تطوير أفكارهم الحيوية وترجمتها إلى واقع عملي ملموس من دون مساعدة.
ويهدف الصندوق إلى المساهمة في تنمية الاقتصاد المحلي بتقديم الدعم المادي للشباب والشابات السعوديين لمساعدتهم على إنشاء مشاريعهم الخاصة وتوظيف سعوديين آخرين بدلا من البحث عن وظيفة، وتقديم خدمات مساندة لهم تتمثل في خدمات الإرشاد التي تمتد حتى ثلاث سنوات من بداية المشروع.