من خلال معايشتي الطويلة لتعليمنا شاهدته وهو يمر بحالة من الشح في موارده المالية، ثم شاهدته في زمن آخر وهو يمر بتخمة مالية. رأيت تعليمنا وهو يمر بفترة من غياب الرؤية التربوية المستقبلية ومن الجمود وسيطرة التشدد الإداري والبيروقراطي والتشكيك في نزاهة العاملين، ثم رأيته في زمن آخر وقيادته تحاول إفساح المجال لكل فكر تربوي متقدم، وتمنح الثقة والمساحة الكافية لكل المبدعين الراغبين في التجريب والتجديد. عايشت تعليمنا وهو يمر بفترة كان التعليم خلالها قضية وطنية ساخنة تشغل الرأي العام، وعايشته مرة أخرى وقد أصبحت قضية التعليم نسيا منسيا. رأيت تعليمنا في فترة من الفترات وهو مثل الجدار القصير كل يقفز من فوقه، ثم رأيته في فترة أخرى وقيادته تحاول إعادة الهيبة له وتدعمه بقوة على مستوى صناعة القرار الوطني. خلال كل تلك المراحل المتباينة التي شهدها تعليمنا كانت النتيجة دائما واحدة، وهي عجز تعليمنا عن تحقيق أية نتائج إيجابية تذكر. ما هو ذلك المشترك المهول الذي كان حاضرا طوال فترات تاريخ تعليمنا وكان له باستمرا دورا بارزا في إضعافه وتخلفه؟ , هذا المشترك في اعتقادي أتى من فئتين، الأولى تعمل في العلن المكشوف والثانية تعمل في الخفاء، تعمل الفئة الأولى، بصوت عال وبطاقة هائلة وحركة دائبة وظفتها لمشاغلة قيادات التعليم وإيقاف بعض محاولات التجديد (تدريس اللغة الإنجليزية مبكرا مثلا)، رأت هذه الفئة في بعض محاولات التجديد التربوي تهديد صريحا لثوابت أساسية. أما الفئة الثانية فهي فئة من المنتفعين الذين يستميتون في البحث عن المواقع القيادية وعن المال والوجاهات والمصالح الخاصة، ولو بطرق غير مشروعة. بين مطرقة الفئة الأولى وسندان الفئة الثانية ضاع تعليمنا.