لم يكن الخاطر في هدوئه..،
ولا النفس في سكينتها...،
والمرور بوجه بكة، مكة، المقدسة، المباركة، في حالتيهما.., يستدعي الصور والذكريات...,
وإن هي لطفلة, كانت تمسك بيدها يدُ أمها، كي لا تفلت منها في طرقاتها العديدة... الملتوية... التي يفضي واحدها للآخر...
إلى أن تستقر الأقدامُ فوق أرضية مسجدها الرمز..
الفقد يعصف بكل كيانات الحجرات الدفينة فيهما...,
والإحساس بأن الشجرة تُسلم كل فُجاءة غصونَها للتراب.., يغور في بوتقة ألم لا يمكن وصفه..
غير أن ليس الشجرة وحدها ما يتخلص من أجزائه..
فشوارع بكة، مكة، المباركة المقدسة تغيرت.. وتتغير باضطراد.., لم تتسع، كما أنها لم تعد تتلاحم فيها تفاصيلها,...
البيوت فيها أغلقت على أهلها... جدرانها تباعدت.. ففقدت دفء الالتحام.., وعضد الجوار،..
فالدار الواحد لبيتين قد تناقض وتناقص...
والناس لم تعد تسمع أصواتها في اللحظة... فلا فزعة لصوت، ولا أنين مع أنين...كلٌّ ينطوي على جراحه.., ويبتسم وحده بأفراحه..
لكن البقية الباقية من الغصون.., والفروع لشجرة المدينة الكبيرة...
لا تزال تمتد وإن تباعدت...،
تظلل مدى القرب، وتمد عروق الود، وتستدعي الذي مضى،...
فصداقات قديمة تضرب بجذورها في امتداد...,
هي التي تكتظ عند مداخل المواساة.., أو المشاركة...في الحزن والفرح..
بكة، مكة، المباركة لما تزل تزلزل في الخاطر دمعة..
وشيئا كبيرا من حنين..
إذ لم تفلت عن كفها كف الجوار، والجدار، وجذع الوداد..