نسمع كثيراً هذه الايام عن كلمة التغيير، والتغيير ليس بالضرورة أن يكون للأفضل كما قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}الرعد11، والآية تبين أن محرك التغيير هو ما تضمره النفس، فإن كان الضمر سيئاً فالنتيجة سيئة، وإن كان حسناً فالنتيجة ستكون حسنة فلو سِرت في طريق تعرف نهايته فلن تكون هناك مفاجآتٍ كثيرة في هذا الطريق، وإن غيرت طريقك لسبب أو لآخر بدون سابق علم عن نهايته فهذه مغامرةٍ تحمل نسبةً كبيرة للهلاك. لكل شيء هدف -خاصة التغيير- فكلما وضح الهدف وضحُت الرؤية على شرط أن يكون الهدف من الممكن تنفيذه وإلا تغير من هدف إلى حلم. لا يوجد هناك مجتمع على وجه هذه المعمورة يعمل تحت قوانين غير مشوبة وليس بها عيوب، على الرغم من تفاوت العدالة بين مجتمع وآخر، ومن الناس من يجعل مطلب الديمقراطية غاية وهي في الواقع وسيلة والغاية هي العدل. عندما نرى ما يدور حولنا وما آلت إليه بعض نتائج التغييرات من فوضى وفقدان الأمن والأمان مع تدخلات جهات دولية وإقليمية بعيدةٍ كل البعد عن الصلاح مكرسةً بث سموم الفرقة بإضرامها نار الطائفية في جسم مجتمعاتنا. مستخدمةً إستراتيجية (عمل خيرٍ أريد به باطل) والتفت على هذه الإستراتيجية جموع كثيرة بدأت ملامحها تتجلي عندما انقسمت إلى ثلاث مجموعات: الأولى سمعوا الطبول فطبلوا بدون هدف أو إدراك للأمر، والثانية تريد الإصلاح بحسن نية، والثالثة تريد الإصلاح بحسب أجندتها.
هنا أريد أن يكون موضوع هذة المقالة حول الفئة الثانية (من يريد الإصلاح بحسن نية)، أما الفئات الأخرى فهي مكشوفة للعاقل. من المطالب المشروعة، الإصلاح في مجالات عدة، والإصلاح عملية ديناميكية لا تتوقف في المجتمعات المتقدمة، وسنام الإصلاح المراقبة والمحاسبة ووضع القوانين المناسبة لحياةٍ كريمة. وقد وضع ولي الأمر خادم الحرمين الشريفين -وفقه الله-، آلية مراقبة الفساد متمثلةً بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، أما المراقبة العامة وآلية وضع القوانين فأرى أن المؤسسة المناسبة لذلك هي مجلس الشورى لتحسين أداء الدولة وتخفيفاً من أعباء ولي الأمر. أما من يطالب بانتخاب مجلس الشورى، فلي وجهة نظر أخرى تتلخص بالآتي. كما ذكرت سابقاً أن لكل عمل هدف أو أهداف والهدف الرئيس للانتخاب هو تمثيل شرائح المجتمع جميعاً بتكوينةٍ مهنية، لذا هناك عقبات رئيسية متمثلة في نسيج مجتمعنا تقف وراء عدم تمكن تمثيل شرائح المجتمع مهنياً ومنها: مجتمعنا مجتمع قبلي وفئوي في أغلبه، لهذا فإن الانتخابات في وقتنا الحاضر سوف تجذّر القبلية والمحسوبية الفئوية وتجربتنا ليست ببعيدة عندما تمت انتخابات البلديات السابقة. غياب الحرفية إلى ما قل في مجتمعنا في وقتنا الحاضر. وقد يسأل سائلٌ هل الانتخابات ستبقى حلماً أم أن هناك حل لتفعيلها مستقبلاً. وأقول -وفي نظري- أنه من الممكن تفعيلها بطريقةٍ صحيحة إذا وضعت آليات للأهداف الآتية: 1- ترسيخ المجتمع المدني. 2- ترسيخ الولاء الوطني. 3- تفعيل إنتاجية الوطن في المجالات المختلفة.
الأهداف التي ذكرتها ذُكرت كثيراً أو شيء يشابهها، ولكن من باب اطلاعي المتواضع لم يمر علي آليات لتنفيذ هذه الأهداف، لهذا وهو لب هذه المقالة أضع تصوري في السطور الآتية، لإيجاد آليات لتطبيق الأهداف التي ذكرتها. قبل ان أضع تصوري، يجب علي أن أُعرّف مصطلحاً مهما في طرحي هذا. كثيراً من الناس من يتكلم عن المجتمع المدني بدون رؤية واضحة لهذا المصطلح (المجتمع المدني). إن التعريف لأي شيء نتحدث عنه يجب أن يُعرّف بمنظور المتحدث (منظوري) والسبب في ذلك، التوحيد لمعنى المصطلح، فلو دار الحديث عن موضوع لا يوجد توحيد لتعريفه نجد غياب المفهوم فكلٍ يتكلم بمفهومه -الذي وفي أغلب الأحيان- يختلف عن مفهوم غيره، لذا عليّ أن أضع مفهومي حتى لو لم يتفق مع مفهوم الآخرين ولكني أوجدت التوحيد للمفهوم الذي سأطرحه.
فمفهومي للمجتمع المدني، هو ذاك المجتمع المبني على جعل الجميع يعرف ما عليه وما له في جميع مجالات الحياة، لذا يجب بناء المؤسسات التي تحمي هذا المجتمع (مؤسسات المجتمع المدني) من أي خروقات، ومن الأهمية بمكان أن نعرف أن حقوق المجتمع تعلو على حقوق الفرد (الصالح العام) والصالح العام مع تشديد كلمة (الصالح) يجب أن يتركز على مفهوم وروح ما أتى به القرآن مراراً وتكراراً (ومن عمل صالحاً) أما ترسيخ الولاء الوطني فتعريفه هو الانتماء لهذا الوطن بالعمل على إظهاره بالمظهر المتقدم والمنافس للمجتمعات المتفوقة علمياً واقتصادياً واجتماعياً.
أما تفعيل إنتاجية مجتمعنا فهي تكمن في التعليم، وخاصةً في التعليم الأساسي (التربية والتعليم) بهذا التعريف أضع تصوري للآليات.
الانتخاب أمر ضروري لتقويم المجتمعات، والبيعة هي نوع من أنواع الانتخابات، وهناك طرق انتخابية أخرى، ولكن قبل البدء بالانتخابات يجب أن نكون قد وضعنا أساساً قوياً لمؤسساتنا المدنية لتضمن لنا ما لنا وما علينا، ولتواكب الأهداف التي ذكرتها سابقاً والتي بُنيت على تذليل العقبات المذكورة أعلاه. من هذا المنطلق يجب أن تبنى كيانات حرفية (نقابات، هيئات، مؤسسات...) هنا يجب أن لا نقف أمام المسميات وتكوينها القانوني لتشمل جميع الحِرف المدنية مثل (الإعلام والصحافة، المحاماة، الطب والصيدلة، الهندسة، القضاء، العلوم، الأدب.......إلخ) هنا يجب أن أتوقف لإدراج ثلاثة مسميات نستخدمها كثيراً في مجتمعنا يجب أن لا تكون ضمن الحرف التي ذكرتها، وهي مصطلحات (المثقفين، رجال الدين والسياسيين)، أما المثقفين فهي ليست بحرفة بل هي اطلاع، حيث إن كل إنسان لديه ثقافته، فمن الممكن للطبيب أو القاضي أو غيرهم أن يكون لديهم اطلاع على أشياء كثيرة ليست داخلةً في تخصصاتهم.
أما رجال الدين فكل مسلم قائم على دينه ولا يوجد اختزال للإسلام في مجموعة معينة، أما من علا علمه وثقافته في مجالات الدين فهم الفقهاء الذين سهلوا على أفراد مجتمعهم التعرف على أمور قد تكون خفيةٍ عليهم والفقهاء من فئة القضاة أما السياسيين فلا يوجد لهم حرفة حيث إن السياسة أتت من الساسة وهم من بيدهم أمور البلاد وكثير من الناس تتشابه عليهم كلمة سياسي ودبلوماسي.
أعود إلى ما أنا بصدده في بناء الكيانات التي ذكرتها لتُنتج تركيبة المجتمع المراد تكوينه، حيث إن الانتخابات يجب أن لا تُقبل من أي إنسان يريد أن ينتخب خارج هذه الكيانات، بهذا أكون قد أجبرت المجتمع أن يكون مجتمعا حرفياً. قد يقول قائل: ماذا عن الغير المتعلمين في وقتنا الحاضر؟ وأقول إن تصوري هذا لا يشمل وقتنا الحاضر ولكن هي رؤية مستقبلية لتهيئة جيل متعلم، وإن قال القائل: ماذا نحن فاعلون الآن؟ أقول إن أفضل طريقةٍ في نظري هي الطريقة المتبعة الآن في التعيين من قبل ولي الأمر، وإن قال قائل: ماذا أضفت؟ أقول: أرجو من ولاة الأمر إعطاء الصلاحيات لوضع القوانين وكذلك الرقابة على إنتاجية عمل الدولة لمجلس الشورى ليرفع المجلس ملاحظاته لولي الأمر للمساءلة.
والله من وراء القصد.
B3rdfw@gmail.com