Monday  23/05/2011/2011 Issue 14116

الأثنين 20 جمادى الآخرة 1432  العدد  14116

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

عندما صدر قرار تدريس اللغة الإنجليزية بدءًا من الصف الرابع الابتدائي، ثارت أصوات معارضة لهذا التوجة التربوي الذي تأخر كثيراً!، وكانت هذه المعارضة مثار استغراب كثيرين، إذ سألني أكثر من صديق غير سعودي عن السر وراء هذه المعارضة، فهم يتفهمون دوافع المعارضة لقرارات أخرى يتم الخلط في مفهومها - أحياناً - بين الدين والعادات، ولكنهم حائرون حيال هذا الموقف من هذا القرار، وقد زال ذهولهم عندما قلت لهم إنني - شخصيًا - لا أعلم وأتمنى أن أعلم!. لا أود هنا أن أدخل في جدل تفصيلي حول هذا الأمر، ولكني أود أن أشير - كمتخصص - إلى أهمية هذا القرار من منطلق علمي بحت. يتفق معظم علماء اللغة على أهمية تعلم اللغة الأجنبية كلغة ثانية في مرحلة سنية صغيرة، إذ إن هناك علاقة طردية بين العمر وإمكانية إتقان اللغة الثانية، ومن الثابت علميًا أن الإنسان لا يمكن له بحال أن يتقن لغة ثانية ويتحدث بها كما يتحدثها متكلموها الأصليون (native - speaker like) بعد مرحلة البلوغ والتي تسمى (puberty)، وهي مرحلة قد تبدأ في سن مبكرة لدى كثير من الشعوب (التاسعة أو الثامنة)، وهذا يعني أن بإمكان الإنسان أن يتعلم لغة ثانية بعد هذه المرحلة، هذا ولكنه سيتحدث بها بلكنة واضحة (accent)، وكلما كان العمر أصغر، كان تعلم اللغة وإتقانها أسهل والعكس بالعكس، فعندما يتقدم الإنسان بالعمر يصعب عليه تعلم اللغة الثانية، وقد يصل إلى مرحلة عمرية يستحيل عليه معها تعلم لغة أجنبية إلا في حالات نادرة. إن أفضل مراحل تعلم اللغة الثانية هو عمر الثامنة حتى البلوغ، إذ يكون الطفل حينها قد أتقن أساسيات لغته الأولى إلى حد كبير، ثم يبدأ بعد ذلك تعلم اللغة الثانية ويواصل تعلم اللغتين في آن واحد، وهذا يساهم في إتقانه كلا اللغتين تحدثًا وكتابةً على درجة واحدة من الكفاءة. من المعلوم أن المدارس ثنائية اللغة منتشرة في كثير من بلاد العالم، وقد تم تأسيسها في بادئ الأمر لاستيعاب أبناء المهاجرين، إذ يتم تدريسهم المواد الدراسية المختلفة بلغتهم الأم واللغة الجديدة في آن واحد، ففي بداية الأمر يكون التدريس بنسبة 80 في المائة بلغتهم الأم و20 بالمائة باللغة الجديدة، وكلما تقدم الزمن قل الاعتماد في التدريس على اللغة الأم لصالح اللغة الثانية حتى يتم الاستغناء عن استخدام اللغة الأم تمامًا، وحينها يكون الطفل قد أتقن اللغتين على حد سواء، ويستمر في استخدامهما طوال حياته، وخر مثال على هذا هو اللاتينيين في المجتمع الأمريكي، والذين سهل لهم هذا الأمر التقدم في حياتهم العملية؛ نظرًا للحاجة الماسة لتوظيف من يجيد لغتين فأكثر في بعض الولايات الأمريكية مثل «كاليفورنيا» و»وأريزونا» وغيرها. يخيل لأحدنا أحيانًا أن هناك من يعارض لأجل المعارضة، هذا إذا صح تسميتها معارضة، لأن الاسم الصحيح في تقديري هو «المناكفة»، أي استقصاد أشخاص بعينهم مهما فعلوا ومهما كانت نياتهم وتوجهاتهم صادقة، وهذا هو ما يحصل لدينا منذ أمد غير قصير، ولو اقتصر الأمر على أناس لم يعد أحد يقيم وزنًا لمناكفتهم لهان الأمر، ولكن المؤلم أن هذه المناكفات أخذت أبعادًا وصورًا شتى، وشارك فيها من كنا نظن أنهم أرقى من أن ينجرفوا مع الغوغاء لإثارة الناس في وقت أقل ما يقال عنه إنه حساس ودقيق. في كل بلاد الدنيا تستجيب الحكومات لمطالب الناس رغمًا عنها أحيانًا، أي إنها تصدر قراراتها بعد المطالبات الحثيثة، أما هنا فإن الحكومة تستبق رغبات الناس، وتصدر قراراتها بعد دراسات مستفيضة، وبعد التأكد التام من أن هذه القرارات لا تتعارض مع الدستور الذي قامت عليه هذه الدولة، ومع ذلك فإنها تصطدم غالبًا بمناكفات لا تستند على أسس شرعية أوعلمية منطقية، وهذه مفارقة يندر أن يوجد لها مثيل. إن هذه المناكفات ضد قرار تعليم اللغة الإنجليزية للأطفال وغيره من القرارات يؤثر سلبًا على مسار التنمية بمفهومها الشامل، ومن المفارقات أن يتم هذا في الوقت الذي أصبحت فيه اللغة الثانية وبالذات الإنجليزية ضرورة ملحة للتوظيف والتقدم في الحياة العملية، وفي الوقت الذي يوجد فيه أكثر من مائة ألف مبتعث سعودي حول العالم معظمهم في أرقى بلاد العالم وأكثرها تطوراً، إذ يبدو الأمر وكأننا نريد أن يعاني أبناؤنا عند ابتعاثهم أو بحثهم عن وظيفة ما عاناه أسلافهم بسبب تعلم اللغة في سن متأخرة. وختامًا، فإنني أتمنى صادقًا أن أعلم سببًا واحدًا مقنعًا يمنع تعليم اللغة الإنجليزية بدءًا من الصف الرابع الابتدائي، وسأكون شاكرًا لمن يزودني بذلك.

amfarraj@hotmail.com
 

بعد آخر
معارضة موضوعية.. أم مناكفة
د. أحمد الفراج

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة