Monday  23/05/2011/2011 Issue 14116

الأثنين 20 جمادى الآخرة 1432  العدد  14116

  
   

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

متابعة

 

الشيخ عبدالله بن خميس نجم أفل
عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف

رجوع

 

علم من الأعلام غيب في الثرى

فثوى رهين جنادل وتراب

حينما يتوالى أفول الكثير من الأعلام ومن رموز المجتمع السعودي عن الدنيا وساكنيها من علماء وأدباء ورجالات أعمال خيار، فإن ساعات الأنس يقل سرورها لدى مجتمعهم، وعارفيهم لفقدهم، وفقد من كان يملأ العين بهجة وسروراً، ولاسيما من كان لهم دور إيجابي في الحياة علماً وأدباً وكرماً، فإن غيابهم يحدث فراغاً وفجوة واسعة في محيطهم الأسري، وفي قلوب محبيهم لما أسدوه من نعم وأعمال جليلة، وما تركوه من آثار علمية وأدبية ثرة المعرفة أمثال الشيخ عبد الله بن محمد بن خميس لكي تتوارثها الأجيال المتتابعة على مر الدهور و الأعصر فيستنير منها القارئ والباحث والمتعلم، وقد رحل عنا - رحمه الله- إلى دار الخلود صباح يوم الأربعاء 15-6-1432هـ حميدة أيامه ولياليه بعد حياة طويلة حافلة بأعمال مشرفة، وطول باع في مجال اللغة العربية وآدابها، وبجيد الأشعار فصيحها وشعبيها، حيث بلغت مؤلفاته أكثر من أربعة وعشرين مؤلفا يتكون بعضها من أجزاء عدة.. ولسان حاله يردد قول الأستاذ الشاعر علي الجندي - رحمه الله-:

يفنى الذي تركوه من ذخائرهم

وما تركنا على الأيام مدخر

ولقد حزن الكثير على غياب ذاك العلامة الكبير عالي القامة في المنتديات والمحافل الدولية، حيث بعد عن نواظر أحبته - تغمده الله بواسع رحمته - وكانت ولادته في قرية (الملقى) من ضواحي الدرعية عام 1339هـ فحياته كلها علم وأدب بدأ من تلقيه مبادئ القراءة والكتابة في كتَاب الدرعية لحفظ كلام الله، ثم أخذ مبادئ من العلم على يد والده العالم الجليل؛ حيث قرأ عليه عدة كتب من أهمها كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وكتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب وبعض كتب التاريخ واللغة العربية وآدابها، مما أثرى حصيلته العلمية والأدبية التي أهلته وشجعته إلى الشخوص نحو الحجاز ليقابل فضيلة مدير المعارف -آنذاك- الشيخ العلامة محمد بن عبد العزيز بن مانع بمبنى مديرية المعارف المطل على المسعى بمكة المكرمة مبدياً رغبته بالالتحاق بدار التوحيد (أم المدارس)، وبعد أن طرح عليه بعض الأسئلة أعجب بحسن إجابته، وباستعداده الفطري فوجهه إلى الطائف لينظم إلى طلاب الدار هناك، وذلك في بداية عام 1366هـ، وكان الأستاذ عبد الله بن خميس مثالا يحتذى به بين الطلاب، ولاسيما في النشاط الثقافي فهو يزاحم زملاءه بالمناكب ليعلو منبر ذاك النادي الأدبي الذي خرج أفواجا من الأدباء والشعراء، والخطباء وأئمة المساجد، بل إن البعض منهم أمَ المصلين بالمسجد الحرام وبعض مساجد الطائف أمثال الشيخين الجليلين: عبد الرحمن الشعلان، وسعيد الجندول وغيرهما - رحم الله الجميع - وبعد أن نال الشيخ عبد الله الشهادة الثانوية بالدار عام 1369هـ واصل الدراسة بكلية الشريعة واللغة العربية بمكة المشرفة حتى حصل على الشهادة العالية بتفوق عام 1373هـ، بعد ذلك تم تعيينه مديراً لمعهد الأحساء العلمي، ثم تسنم مناصب عدة كان آخرها - كما يقال - رئيسا لمصلحة مياه الرياض، ثم طلب التفرغ بعد رحلته الطويلة في العمل للبحث والتأليف والنشر، وقد أثرى الساحة الأدبية والعلمية والتاريخية بعدد كبير من مؤلفاته التي حفلت المكتبة العربية بنصيب وافر منها، كما حاز على جوائز الدولة التقديرية في الأدب، ومنح وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى في مهرجان الجنادرية السابع عشر وذلك في عام 1422هـ، كما حصل على عدد من الأوسمة والشهادات التقديرية الدولية.. فهو عضو فاعل في عدد كبير من المواقع الهامة، والجمعيات الخيرية والإنسانية - فالمجال الآن لا يتسع لإيضاحها وعدها- وكان معنيا بمعرفة تضاريس الجزيرة سهولها وجبالهوآكامها..، وقد أصدر كتابا يتكون من خمسة أجزاء بمسميات تلك الجبال المواكث التي قد علا معظمها وجال بنظره في سفوحها وهضابها:

وكم من جبال قد علا شرفاتها

رجال فزالوا والجبال جبال

والجدير بالذكر أني قد زودته بهذا البيت قبل إصداره فأنس به ثم وضعه في مقدمة كتابه (معجم جبال الجزيرة) كما سبق أن زودته ببعض قصائده التي كانت تنشر في صحيفة ( البلاد ) أيام دراسته بمكة المكرمة، فأضافها في الطبعة الثانية بديوانه (على ربى اليمامة) فالذكريات مع (أبو عبد العزيز) يرحمه الله طويلة تخللها الكثير من المواقف الجميلة والطريفة، وتبادل إهداء الكتب المتعددة، كذلك تشريفه منزلي أيام دراستي بكلية اللغة العربية في العام الذي تولى فيه رئاسة الكليتين الشريعة واللغة عام 1376هـ، وزيارته المتكررة هو والشيخ عمر بن حسن آل الشيخ لوالدنا الشيخ عبد الرحمن بحريملاء، ومن تلك الذكريات التي لا تنسى صحبته بسيارته من الطائف عام 1416هـ بعد انقضاء الحفل الكبير المقام بالطائف بمناسبة مضي خمسين عاما على تأسيس الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - دار التوحيد، عام 1364هـ، وعند وصولنا الرياض تناولنا طعام العشاء في مزرعته ومنتجعه (عمورية) الحبيبة إلى قلبه وملتقى صحبه وأحبته، وقد تخلل تلك الرحلة بعض الأحاديث الشيقة وتداول بعض الشواهد الشعرية، فهو -يرحمه الله- مطبوع على الكرم، وموسوعة شعرية وأدبية وجغرافية محب للقراءة، ومن مآثره الحسان أنه أول من أسس صحيفة الجزيرة الغراء عام 1379هـ المحبوبة لدى كتابها وقرائها، فهي الآن واسعة الانتشار، ولازلت محتفظا بالعدد الأول منها، فأخذ يمدها بالموضوعات الهادفة ويطعمها ببعض قصائده التي تتصف بجزالة اللفظ ومتانة الأسلوب فشعره يحاكي شعر فحول الشعراء، فمن أروع قصائده وأضفاها خيالا قصيدته في وصف الرحلة التاريخية لصاحب السمو الملكي الأمير المحبوب - سلطان بن سلمان بن عبد العزيز حيث يقول منها :

يا رائداً نفذ الطباق و جالها

مالسبق إلا ما شهدت خلالها

صورا من الكون العريض كشفتها

وسبرت منها كنهها وجلالها

وشهدت شخص الأرض يمعن بعده

لا تستبين سهولها وجبالها

كما أجاد في وصف رحلته الأخيرة في الولايات المتحدة وكندا وخاصة غرب أمريكا الشمالية بدءا من ولاية كاليفورنيا حتى شرقها مسجلا بعض مشاهداته وذكرياته في هاتيك الأماكن النائية، ومن أحلاها في نفسه تسريح النظر في أبرز متنزهاتها (يوسمتي) الذي يعتبر من أجمل المتنزهات وأطولها مدى، التي تحتضنها تلك الجبال السمر الشاهقات علوا بشلالاتها التي تصب في ذاك الوادي الحافل بكثافات الأشجار، فقد أثارت شجونه تلك المشاهد الطبيعية فجادت قريحته ببعض قصائد الوصف ضافية الخيال منها :

قف بي على النهر يفري الغاب مجراه

أواه من صوته المأنوس أواه

بين الهضاب تعالى الله سامقه

ما أن يرى مثلها في الكون أشباه

فقد طوف في أنحاء تلك القارة الواسعة وملأ عينيه من أبرز معالمها مثل شلالات (نياغرا) الشهيرة، وصعود ناطحات السحاب في نيويورك مرورا بمصانع البوينج في سياتل، و بالسير فوق الجسر الذهبي بسان فرانسيسكو، والسير في جوانبها وغير ذلك من المعالم في تلك البقاع مختتماً هذه العجالة بهذا البيت

تولى و أبقى بيننا طيب ذكره

كباقي ضياء الشمس حين تغيبُ

رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وألهم ذويه وأبناءه وبناته وأحفاده ومحبيه الصبر والسلوان.

 

رجوع

طباعةحفظ 

 
 
 
للاتصال بناجريدتيالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة